الثلاثاء، 16 فبراير 2021

التفسير المكي للشيخ طاهر الكردي، ومعه:" إسبال الكساء"لمجد مكي ومخاطر التفرق علي الامة


مطويات الرابطة https://islamsyria.com/site/show_library/1170


بسم الله الرحمن الرحيم

التوافق بين المسلمين أصل الدّين، و الاختلاف بينهم أول الفساد ورأس الزّلل، وكما تجب الموافقة في الدين والعقيدة تجب الموافقة في الرأي والعزيمة(1)، وما خطرٌ أشد على الأمة وأهتك لسترها وأنكى في قوتها وأعظم ثغرة لعدوها من اختلاف كلمتها وتفرق صفها. ويكفي في بيان خطرها وضررها أن الله جعلها من جنس العذاب والعقوبات التي ينزلها بالقوم الظالمين، قال تعالى: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾. (65) الأنعام

والمتأمل في نصوص الشريعة وسيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يجد التشريعات المتوافرة والتدابير المتظافرة التي تمنع من ولوج هذا الخطر على الأمة، كما تقدم بيان ذلك، وما ذاك إلا للمفاسد العظيمة التي تهدد كيان الأمة الإسلامية من التفرق والاختلاف، وإليك أيها القارئ الكريم بيان شيء من ذلك:

• أولاً: الفشل والهزيمة

يقول الله تعالى مُنبِّهًا إلى أعظم مخاطر تفرق الكلمة: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾ (46) الأنفال، أي: لا تنازعوا وتختصموا وتختلفوا، فإن ذلك يؤدي بكم إلى الفشل والضعف، وإلى ذهاب دولتكم، وهوان كلمتكم، وظهور عدوكم عليكم(2). ولذلك لما اختلف بعض المسلمين يوم أحد فكان منهم من يرى لزوم أماكنهم على جبل الرماة حيث أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، ومنهم من يرى النزول مع الناس لجمع الغنائم انقلب حالهم من نصر إلى هزيمة، وتفرقت قوتهم وانقطعت حيلتهم في أن يعيدوا ضبط القتال في الميدان، كما قال تعالى في سورة آل عمران في بيان المدخل الذي تسبب للمسلمين بالهزيمة يوم أحد: ﴿وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ﴾ (152) آل عمران.

وإنما كان التنازع مفضياً إلى الفشل؛ لأنه يثير التغاضب، ويزيل التعاون بين القوم، ويُحدث فيهم أن يتربص بعضهم ببعض الدوائر، فيحدث في نفوسهم الاشتغال باتِّقاء بعضهم بعضاً، وتوقُّع عدم إلفاء النصير عند مآزق القتال، فيصرف الأمة عن التوجه إلى شغل واحد فيما فيه نفع جميعهم، ويصرف الجيش عن الإقدام على أعدائهم، فيتمكن منهم العدو(3).

ولذلك لما دخل المستعمرون معظم البلاد العربية الإسلامية كان أول عمل باشروه هو تجزئة الأمة العربية ذات الأكثرية الإسلامية إلى دويلات صغيرة, وإقامة الحدود والحواجز المصطنعة بينها, والعمل على غرس التباينات في المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية, وفي العرقيات والعصبيات القبلية, إضافة إلى إيجاد التنافر بين الكتل الطائفية. يقول "لورانس براون" أحد زعماء المنصرين في كتابه "الإسلام والإرساليات": "إذا اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً, وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضاً, أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير"(4).

والفشل الحاصل بتفرق الكلمة واقع في أي اجتماع للمسلمين في عمومهم وخصوصهم، فالأسرة المتفرقة الكلمة لا يستقيم لها حال ما دامت لا تجتمع على رأي واحد، فالزوجان يتفرد كل منهما بقراره، والأولاد ينقسم ولاؤهم لأحد الفريقين، فتضطرب تربيتهم وتضيع قيَمُهم. وكذلك المؤسسة المتفرقة الكلمة التي لا تنتظم فيها السلطات ولا تتحدد فيها الصلاحيات ولا يلتزم أفرادها بالنظام, أي مشروع ستقيمه إذا لم يشترك الجميع فيه؟ وأي ريادة ستحققها في مجالها إذا كان أفرادها تشتت جهودهم يمنة ويسرة؟ وكذلك الحال في الوزارات والبرلمانات ومجالس الشورى حتى تصل إلى الأمة العظيمة المتكونة من الدول والجمهوريات.

• ثانياً: ذهاب هيبة المسلمين وتسلط الأعداء عليهم

أشار القرآن إلى هذه المفسدة العظيمة في آية الأنفال نفسها، في قوله تعالى: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ فإن العدو إذا رأى تنازع المسلمين وتفرق كلمتهم ذهبت هيبتهم من صدور عدوهم، حتى تعود الأمة أعداداً بلا عدة، وأرقاماً بلا معنى، أي إلى الحالة الغثائية التي لا تحافظ على موجود ولا تلوي على مطلوب، فتتداعى الأكلة إلى قصعة الأمة، فيطمع فيها كل قوي وضعيف، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

وقد نبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أكبر نتائج الاختلاف الناتج عن التحاسد وإيقاع العداوة بين الناس، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا أخبِرُكُم بأفضَلَ من درجةِ الصِّيامِ والصَّلاةِ والصَّدَقَة؟ " قالوا: بَلَى يا رسولَ الله. قال: "إصلاحُ ذاتِ البَينِ، وفسادُ ذات البين الحالِقَة"(5). ومعنى الحالقة: أنها تحلق الدين، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ: هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ»(6).

لقد عُرف الخوارج عبر التاريخ بقوة العزيمة وشدة البطش، وعظيم الإخلاص لأفكارهم والتفاني لها، لكن مع ذلك كان يكثر بينهم الخلاف والنزاع لأتفه الأسباب، وكان هذا من عوامل هزائمهم المتكررة، وقد فطن لذلك المهلب بن أبي صفرة ــ الذي كان ترساً للمسلمين منهم ــ فكان يبعث إليهم من يبث الخلاف بينهم لتفريقهم وإضعافهم، فيُكفى مؤنة حربهم وقتالهم(7).

وما استعمرت بلاد المسلمين إلا بعد أن سقطت مهابتهم من قلوب أعدائهم، والأندلس خير شاهد على ذلك، فما إن دبت الفرقة بين ولاة الأقاليم فيها حتى بدأ العدو الإسباني يتقدم في أراضيهم ويغري الأخ على أخيه ثم ينقض عليهما ويأخذ أرضهما.

ولما ضعفت الدولة العثمانية وسقطت خلافتها كان أول ما فعله المتآمرون عليها هو تقطيع أجزائها وتفريق اجتماعها؛ لأنهم يعلمون أن قوتها في اجتماع كيانها، فجاء مؤتمر سايكس بيكو والذي وزع أراضي الدولة العثمانية بين الغرب والشرق، يُقطع هؤلاء قطعة وهؤلاء أخرى؛ من أجل تحطيم وحدة المسلمين, وتجزئتهم إلى أجزاء متفرقة كثيرة؛ لأن هذه الخلافة تمثل الحزام الذي يجمع المسلمين في شتى أقطار الأرض, أو الرمز السياسي الذي يجعلهم يلتقون التقاءً مَّا تحت راية سياسية واحدة, وإن وصل بها الضعف إلى أن غدا رمزاً ليس له أي سلطان فعلي.

وقبل ذلك في زمن الخلافة العباسية انقسمت الأمة إلى ثلاث دول، دولة العبيديين التي تسلطت في المغرب العربي ومصر، ودولة الأمويين في الأندلس، والدولة العباسية في الشام والعراق والحجاز، فتفرقت بهذه الخلافات كلمة المسلمين، وانحطت رتبة الخلافة الى وظيفة ملكية، فسقطت هبيتها من النفوس، فتفرق العالم الإسلامي الى دويلات(8).

• ثالثاً: انتزاع البركة من العمل

فالبركة تذهب مع الاختلاف والمشاحنة، تصديقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "يد الله مع الجماعة"(9). وقد ذكر العلماء أن الاختلاف والمخاصمة كانتا سبباً في رفع تحديد ليلة القدر، كما في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أُنْبِئْتُ بِلَيْلَةِ الْقَدْرِ فَخَرَجْتُ كَيْمَا أُحَدِّثكُمْ بِهَا أَوْ أُخْبِركُمْ بِهَا فَتَلَاحَى رَجُلَانِ يَحْتَقَّانِ مَعَهُمَا الشَّيْطَانُ فَأُنْسِيتُهَا"(10).

ولما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذاً وأبا موسى لدعوة الناس وتعليمهم في اليمن كان من أول ما أوصاهم به: "يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلاَ تَخْتَلِفَا"(11).

• رابعاً: الانشغال عن المهام الكبرى

فالاختلاف يشغل الناس ببعضهم، ويصرف الأمة عن تحقيق غاياتها الكبرى التي حمَّلها الله إياها من تبليغ الرسالة والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر الدين في بقاع الأرض والتصدي لمكايد الأعداء في محاربة الإسلام.

ولذلك أعقب الله تعالى الأمر بالاعتصام والاتحاد في قوله تعالى: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا﴾ بقوله سبحانه: ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ (103-104) آل عمران؛ إشارةً إلى أن الانشغال بالمهام الكبرى يقوي روابط الإخاء ويزيد من دوافع الاتفاق والاجتماع.

ومما يدل على ذلك: أن الفتوحات توقفت في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، بسبب الانشغال بقتال معاوية في الشام والخوارج في العراق، فلم يتفرغ لتوسعة الدولة الإسلامية ونشر الإسلام في هذه الفترة بسبب هذا العارض الذي حدث في زمنه.

وكذلك يعطل التفرق والاختلاف الأفكار عن التطوير والتقدم، ويشغلها بمناكفة الخصوم، وتفنيد حججهم وأدلتهم. وأنت تجد المكتبات مليئة بالرسائل والأجزاء المؤلفة في مسألة من المسائل الجزئية العلمية أو العملية، وحشد الأدلة في ترجيح أحد القولين والرد على الآخر، مما يشعرك بأن القول الآخر جدير بالدحض والطرح وأن القول الراجح لا يجوز العمل بغيره. والمفترض في مثل هذا أن لا يكون هو الشغل الشاغل والعمل الرئيس في حياة العلماء وطلاب العلم، فالاختلاف سنة كونية، وإنما يكون الرد منهم بقدر ما يتبين به الخطأ في الأمور القطعية، أما في مسائل الاجتهاد التي يكون الخلاف فيها محتملاً فلا حاجة للتأليف وعقد مجالس المناظرة في تحديد الرأي الراجح.

(1) تفسير القشيري (1/629).

(2) التفسير الوسيط (6/113).

(3) التحرير والتنوير (10/31).

(4) أجنحة المكر الثلاثة (315).

(5) رواه أبو داود (4919)، والترمذي (2509)، وأحمد (27508)، وصححه ابن حبان (5092) وقال الترمذي: حسن صحيح.

(6) شرح السنة للبغوي (13/117). والحديث أخرجه أحمد (1430).

(7)انظر: شرح نهج البلاغة: 2/49، والكامل للمبرد: 2/277 ــ 279، ورغبة الأمل للمرصفي: 8/91 ــ 92.

(8) الاعتصام بالإسلام ص(41).

(9) أخرجه الترمذي (2166).

(10) رواه مسلم (1167).

(11) أخرجه البخاري (3038)، ومسلم (3038).

 

 مطوية 2.








الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمّ التسليم على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين. أما بعد:

قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه -إعلام الموقعين عن رب العالمين- "فإن الشريعة مبناها ومقاصدها على الحِكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد وهي: عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها" .

لقد اتسمت الشريعة الإسلامية بصفات جليلة لا يمكن حصرها وعدُّها، وإن الناظر في أحكامها وتفاصيلها يتبين بأن هناك صفة عظيمة بني عليها تفاصيل شرعنا الحنيف، ألا وهي صفة الرحمة.

فالرحمة صفة الله عز وجل فهو الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، وفاضت على سائر مخلوقاته ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [الأعراف: 156]

ومن المعلوم بأنه لا يوجد سلاح قيّضه الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم أمضى في التوفيق كسلاح الرحمة ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [آل عمران: 159]

والرحمة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية ليست خاصة بالمسلمين فقط، ولكنها شاملة لجميع البشر، فهي رحمة طبيعية تلقائية لا تختص بصنف بشري، بل هي مشاهدة في كل الأحوال، رغم اختلاف الظروف، وتعدد المناسبات، وهو ما نلحظه في الآية الجامعة التي شرحت المنهج الرباني في التعامل مع الخلق حيث قال ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: 107]

ومن هنا جاءت قضية الرحمة التي أرسى دعائمها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من خلال أقواله عامة وشاملة، فهو القائل (من لا يرحم لا يُرحم) متفق عليه، ويقول أيضاً (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وهو الحديث المسلسل بالأولية الذي كان المحدثون يستحبون الابتداء به في تلقين المتعلم إشارةً إلى أن العلم ينبغي أن يكون مبنياً على الرحمة، ويقول كذلك (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) متفق عليه. فالعبارات هنا جاءت على إطلاقها دون تقييد ولا تحديد.

وأما رحمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أعماله وأفعاله فلا يغيب عن أحد رحمته مع الكبار والصغار، ورحمته مع الرجال والنساء، ورحمته مع الصديق والعدو، بل إن رحمته تجاوزت البشر لتصل إلى الدواب والأنعام، والطير والحشرات.

لذلك كان لزاماً على كل امرئ رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً أن يتزين بهذه الصفة، ويتجمل بهذه السجية.

ومن صور الرحمة التي أمرنا الإسلام بها، الإحسان للآخرين، والذي يتمثل بإيصال النفع الديني والدنيوي إليهم.

ومن أعظم الصفات التي أثنى الله بها في كتابه على عباده صفة الرحمة التي يمتد نسيجها فيما بين أفراد عباده قال تعالى ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الحجرات: 29]

ولو تأمل القارئ في حديث الله عزَّوجل عن العقبة الكؤود التي ينبغي لعباد الله أن يتجاوزوها، وأن يبذلوا كل جهدهم في اقتحامها، جعل الأداة الوحيدة في اقتحامها وتجاوزها هي التراحم والإحسان للآخرين، قال تعالى ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ *فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾[البلد:11-17]

ومن منطلق التراحم والإحسان حرص الإسلام على تقوية الأواصر، وتعميق الروابط بين بني الإنسان، لبناء مجتمع قوي وقادر على مواجهة التحديات والأزمات، مجتمع حضاري راق، يرحم القوي الضعيف، ويعطف الغني على الفقير، ويعطي الغني ذا الحاجة، فيحرص على بناء مجتمع متقارب متحاب، ومتعاون على الخير والبر، وفعل المعروف، فلا ينبغي لمجتمع أن يعيش متفككاً، ولا ينبغي للفرد أن يعيش منفصلاً عن أفراد مجتمعه.

فالرحمة المتمثلة بالإحسان للآخرين لها صور كثيرة، وطرق عديدة، منها :

1- الإحسان للوالدين: وقد تضافرت النصوص الشرعية التي تحث على حقوق الوالدين، وبرهما والإحسان إليهما، قال تعالى ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا﴾[سورة الإسراء:23–24]

2- الإحسان للزوجة: ويتجسد هذا المعنى بكمال الخيرية التي تحدث عنها نبينا صلى الله عليه وآله وسلم (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) أخرجه ابن ماجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

3- الإحسان للجيران: عظم الإسلام حق الجوار، وأمر المسلم بإكرام جاره، والإحسان إليه، وكف الأذى عنه، وتحمل كل ما يصدر منه، وبهذا الخلق العظيم، والخصال الحميدة يكمل إيمان المرء. قال صلى الله عليه وآله وسلم : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) متفق عليه.

4- الإحسان للخلق جميعاً: من المعلوم بأن نفع الناس، والإحسان إليهم، وقضاء حوائجهم، وتفريج هموهم من أعظم أسباب إشاعة المحبة والألفة بين الناس، وزيادة أواصر الأخوة ودوام المودة بينهم، وهي من أهم الأسباب لانفتاح القلوب لدين الله, والإقبال على شرعه الحنيف، فأحب الناس إلى الله أنفعهم لخلقه، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على قلب مسلم.

قال ابن القيم رحمه الله في الجواب الكافي: "وقد دلَّ العقل والنَّقل والفطرة وتجارب الأمم - على اختلاف أجناسها ومللها ونحلها - على أنَّ التقرب إلى رب العالمِين، وطلَب مرضاته، والبر والإِحسان إِلى خلقه من أعظم الأسباب الْجَالبة لكلِ خير، وأضدادها من أكبر الأسباب الْجالبة لكل شر، فما استجلبت نعم اللَّه، واسْتُدْفعت نقمته، بمثل طاعته، والتقرب إِليه، والإحسان إِلى خلقه".

ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عَن أبي هريرة رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (منْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ).

قال الإمام الشافعي -رحمه الله- :

الناسُ بالناسِ ما دام الوفاءُ بهمْ=والعسرُ واليسرُ ساعاتٌ وأوقاتُ

وأكرمُ الناسِ ما بين الورى رجلٌ=تُقضى على يده للناس حاجاتُ

لا تقطعنَّ يدَ المعروف عن أحدٍ=إن كنتَ تقدِرُ فالأيامُ تاراتُ

واشكر صنيعةَ فضلِ الله إذ جَعلت=إليك لا لك عند الناس حاجاتُ

قد مات قومٌ وما ماتت فضائلُهم=وعاش قومٌ وهم في الناس أمواتُ

وفي ظل المحن والشدائد التي يخيم شبحها على المسلمين عموماً، و على أهل الشام خصوصاً لا أجد دواءً ناجعاً، وشفاءً نافعاً كخلق التراحم والإحسان، فهو صلة الوصل بين الحاكم والمحكوم، والغني والفقير، والكبير والصغير، والشيخ الذي احدودب ظهره والشاب الفتي، فالناس أحرار متى حكمهم هذا الخلق العظيم تحت ظل الإسلام الوارف، وبه نبني المجتمع المنشود الذي عناه بيان النبي صلى الله عليه وآله وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) متفق عليه.

مطوية 3.

التفسير المكي للشيخ طاهر الكردي، ومعه:" إسبال الكساء"لمجد مكي

  مجد أحمد مكي



المقدمة

الحمد لله وكفى، وسلام على رسله الذين اصطفى وعلى خاتمهم المجتبى سيدنا محمد وآله، ورضي الله عن صحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فقد بُذلت جهود مباركة كثيرة في تفسير القرآن الكريم في القرن الرابع عشر الهجري، واتَّسعت مكتبة التَّفسير اتِّساعًا كبيراً، وملأت مجلداتها خزائن عديدة، وتعدَّدت مناهج المفسِّرين، وطرائقهم، واستفاد اللاحقون ممَّن سبقهم، وأضاف بعضهم - وهم قلَّة قليلة -، واستنبطوا من دلالات النصِّ القرآني ما رزقهم الله تعالى من فهم سليم، وتدبُّر عميق؛ على أنَّ الاجتهادات الإنسانيَّة مهما بلغت من النقاء والصَّفاء مبلغًا عالياً، فقد لا تخلو من أخطاء غير مقصودة، والمتابعات العلميَّة كفيلةٌ ببيانها، وتصويب الصَّواب منها، وتَخْطيء الخطأ فيها.

ومن هذه الجهود المبذولة في منتصف القرن الهجري السالف، ما قام به الخطَّاط المُؤرِّخ الأديب الشيخ محمد طاهر الكردي المكي المولود بمكة المكرمة سنة ۱۳۲۱هـ، والمتوفى بجُدَّة عام 1400هـ رحمه الله تعالى، كاتب مصحف مكة المكرمة، وصاحب كتاب (التاريخ القويم لمكة وبيت الله الكريم)، الذي نهض لكتابة تفسير لكتاب الله عز وجل سمَّاه: (التفسير المكي)، ثم كتب تفسيرًا آخر سمَّاه: (زهرة التفاسير).

وتعود صلتي بـ (التفسير المكي) إلى سنوات عديدة، أثناء دراستي في مرحلة الدراسات العليا (في عام 1407) بجامعة أم القرى بمكة المكرمة شرفها الله تعالى، حين قدَّمه إليَّ أحدُ الناشرين الفضلاء لقراءته وترقيمه، وإعداده للطباعة، فقرأتُ بعض أجزائه قراءةً عابرةً، وتعرَّفت من خلال ذلك على منهجه وطريقته في التفسير، وأعددْتُ بعض أجزائه - بعد قراءته وترقيمه - للطباعة، دون أن أُعَلِّق عليه أو أتعقبه، أو أبذل جهدًا مّا في تجويده وتحسينه، وانقطعت صلتي بالكتاب، وتعثرت طباعته لمدة طويلة.

ثمَّ سعَت جهة علميَّة أخرى إلى إصداره مع تفسيره الآخر (زهرة التفاسير)، وقُدِّم الكتابان إليَّ، فقرأتُ (زهرة التفاسير) ونقَّحته وأعددتُه للطباعة، بعد خدمات مُتعدِّدات، وسوف يصدر بعون الله تعالى قريباً.

ثمَّ عدتُ إلى (التفسير المكي) أقلِّبُ النظر فيه، وأجتهدُ في محاولة خدمته وتقريبه لجمهور القراء، وبذلتُ وسعي في خدمته وإكمال جوانب النقص فيه، ورأيتُ أن إتمام العمل على الوجه العلمي المطلوب سيستغرق مني زمنًا طويلًا و جهدًا كبيراً، أمام سعَة الكتاب، وكثرة نقوله، وتعدُّد مباحثه، وتنوُّع استطراداته، واسْتَحْسَنْتُ أن أخرج بعض أجزائه للتعريف بأسلوب المؤلف و طريقته في التفسير، وللاطِّلاع كذلك على جوانب خدمتي للكتاب، وللاستفادة من آراء الباحثين وملاحظاتهم، وليكون إخراجه في أجزاء متتابعة أخفَّ مؤونة عليَّ وعلى القارئ.

وقد استحسنتُ أن أُقدِّم للقرَّاء تفسير سورة النساء التي انتهى المؤلف -رحمه الله تعالى - من تفسيرها في يوم الجمعة آخر شوال سنة ۱۳۷۸ بمكة المكرمة.

وأتبع هذه السورة بِسُور أخرى مُتتابعة، حتى يتمَّ إصداره كاملًا بعون الله وتوفيقه، وإنَّما لم أقدِّم تفسير سُورَتي البقرة وآل عمران، لحاجتهما إلى مزيد من الخدمة المطلوبة، ولأنهما سيتقدَّمهما دراسة مُطوَّلة أُترجم فيها للمؤلف، وأتكلم فيها عن منهجه في التفسير ومصادره ومزاياه، وبعض المآخذ والعيوب التي تحتاج إلى الاستدراك والتنبيه، مادام للإنسان عقل يُرشده إلى الصَّواب، أو يد تصل إلى كتاب، أو مادام له فكر يتأمَّل، وطاقات متحرِّكة تعمل، فالكمال لله تعالى وحده.

والمؤلف - رحمه الله تعالى - في هذه السورة وفي سائر تفسيره، كثير الاستطراد والخروج من موضوع الآية لأدنى مناسبة يراها، إذ لا يخلو مؤلف عن التأثر بثقافته وبيئته؛ فهو عالم يميل إلى التاريخ والأدب، وحُبِّ الجمع والاستكثار من النقول، فَيُوردُ عند الآيات ما يستحسنه من القصص والحكايات، والمواعظ والأمثال والأشعار، وقد يزيد الاستطراد عند بعض الآيات - ممَّا هو بعيد عن جوِّ الآية - على أكثر من أربعين صفحة، بل ستين صفحة، كما ستجد في الملاحق التي ألحقتها في آخر تفسير هذه السورة.

وفي الوقت نفسه يقصِّر تقصيرًا شديدًا في الوقوف عند بعض الآيات، ولا سيما في بيان معنى المفردات اللغويَّة، فضلًا عن الفوائد التفسيريَّة، والنكات البلاغية.

وعمدة المؤلف في تفسيره ومراجعه الأساسية: تفسير ابن كثير، والخازن، ويرجع أحيانا إلى تفسير النسفي، والبغوي، وحاشيَتَي الجمل، والصاوي على تفسير الجلالين، وهو لم يستفد من هذه المصادر على الوجه المطلوب، بل يختار منها اختيارات يستحسنها ويغفل الكثير من الفوائد والمهمات فيها.

والمؤلف رحمه الله تعالى – كما ذكرت-يستطرد على سجيَّته، وينقل ما يحلُو له، دون استقصاء للنقل من تلك المصادر المعدودة، أو استفادة من كثير ممَّا فيها.. وهو في كتابه يُغلِّب جانبَ الوعظ والتَّذكير، ويُراعي في كتابته جمهور الناس وعوامَّهم، وواقعهم وأحوالهم، فلا يشير في تفسيره إلى أيِّ فائدة بلاغيَّة، أو مسألة تتعلق بمتشابه لفظي، ولا يلتفت إلى ذلك، ويخلو تفسيره من هذه الدقائق واللطائف، ولا يتعدَّى في بيان بعض المفردات من الرجوع إلى (مختار الصحاح)، و (المصباح المنير)، فضلًا عن الرجوع إلى معاجم اللغة وكتب ألفاظ القرآن كـ (المفردات) للراغب، أو (معجم مقاييس اللغة)، أو (اللسان)، ممَّا ترك في تفسيره عوزًا ونقصًا لابدَّ من استدراكه.

وبعد قراءتي للكتاب وصُحبتي الطويلة للمؤلف، رأيتُ أنه لابدَّ لخدمة هذا التفسير من باب النصيحة لكتاب الله عز وجل، من عملين اثنين متوازيين: التَّخلية والتَّحلية.

فأمَّا التَّخلية، فتكون بتحويل الاستطرادات الكثيرة والطويلة البعيدة عن موضوع الآية التي يقوم بتفسيرها إلى آخر السورة، مع التنبيه على ذلك في موضعه من الآية، ليبقى القارئ في جوِّ السورة وموضوعها، ولا يخرج عنها إلى قصص وحكايات وأشعار تخرجه عن التفسير، حتى يخال نفسه أنه يقرأ كتابًا تاريخيًّا أو أدبيًّا، أو مقالة صحفية.. وقد بلغت الملاحق الخارجة عن موضوع التفسير في هذه السورة فقط خمسة وعشرين ملحقًا، ألحقتها في آخر السورة، متسلسلة حسب ورودها في الكتاب، مع الإشارة عند كل ملحق إلى مناسبته وموضع ذكره.

وأما الاستطرادات القصيرة فما كان منها متعلقًا بالتفسير، فقد جعلته في الحاشية، وأشرت في آخره إلى أنه من كلامه بقولي بعد نقل كلامه: (المؤلف)

وأمَّا ما ليس له صلة بالتفسير من الاستطرادات القصيرة أيضًا، فجعلته في الحاشية أيضا، وقلت في أول الحاشية: (قال المؤلف)، ليُعلم أنها ليست ممَّا يتصل بالتفسير أدنى اتصال، ولا يرتبط بالآية بأيِّ ارتباط، فيمكن للقارئ أن يمرَّ على هذه المواضع دون توقُّف عندها؛ كي لا تقطع صلته بالآية، وتُخرجه عن موضوع السورة وجوِّها.

وأما جانب التَّحلية، فهو مُتعدِّد الجوانب، واسعُ الأرجاء، ولو ذهبت أتمُّ ما أراه ناقصاً، وأكمل ما يحتاج إلى تجويد وتحسين، لاحتاج الأمر إلى كتابة تفسير جديد، أنسبه النفسي، ولذلك اقتصرت في جانب التَّحلية على الأمور التالية:

1 - العناية بالتَّرقيم والضبط بالشكل، وإبراز الآيات القرآنيَّة، مع أرقامها بخط المصحف الشريف، ضمن سياق التفسير، وهو ما أغفله المؤلف رحمه الله تعالى، وأدرج في كثير من المواضع الآيات ضمن كلامه دون تمييز لها.

۲- إكمال بعض المواضع في متن التفسير التي غَفَلَ المؤلف عن التعرُّض لها، وجعلتها بين معقوفين، للتنبيه على أنها من زيادتي.

٣- وضع العناوين الجانبيَّة التي تُعين القارئ على فهم معاني الآيات ومواضيع السورة، وقد بلغت العناوين التي وضعتها وميَّزتها في هذه السورة فقط أكثر من مائتين وعشرين عنواناً.

4 - عَزْوُ النقول بعد الرجوع إلى مصادره، والتوثُّق منها.

5- تخريج الأحاديث والآثار.

6 - التعليق على كثير من المواضيع التي تحتاج إلى إكمال وإتمام وتحسين من مراجع متعدِّدة متنوِّعة، اقتطفتُ منها ما أرى أنَّ القارئ بحاجة إليه، لإشباع القارئ من الجانب العلمي، وتعريفه بفوائد يجدُها قريبةَ الجَنَى، دانية القطاف.

7- التنبيه على بعض الأوهام التي وقع المؤلف فيها، وهي من أهم جوانب الخدمة المطلوبة لهذا التفسير.

كما أوردت الكثير من التعليقات التي تسدُّ النقص الواقع في التفسير، وبذلت الجهد في ذلك، حتى استوى إلى مستوى يليق بتفسير كلام الله سبحانه وتعالى بالجهد البشري المحدود.

وحقيقٌ أن تُسمَّى جوانب التَّحسين والإتمام التي قمت بها نحو تفسير هذه السورة الكريمة بـ:

(إسبال الكساء على تفسير سورة النساء).

سائلًا المولى سبحانه أن يتقبَّل جهدي، ويرزقني الإخلاص في القول والعمل والإصابة والسَّداد.

وكنت أودُّ أن أكتب التفسير كلِّ سورة ما يتَّصل بموضوعاتها ومقاصدها، ودروسها، وسبب تسميتها، ووقت نزولها، والبيئة المعنويَّة الخاصَّة التي تسري في آياتها، إذ إنَّ المؤلف رحمه الله تعالى لم يُولِ هذا الجانب أدنى اهتمام، فهو يدخل إلى تفسير السورة دون أيَّة إشارة لموضوعاتها ودروسها، كما لا يعتني ضمن السورة أيَّةَ عنايةٍ بذكر ما يتعلَّق بترابط موضوعاتها في وحدة فكريَّة متشابكة تشابك فروع الشجرة.

وقد استحسنتُ في هذا الجزء أن أُمَهِّد للقارئ الكريم قبل دخوله في التفسير بما يتعلَّق بأهم موضوعات السورة من خلال تسميتها، ليدخل القارئ إلى السورة مُلمًّا ببعض موضوعاتها، مُتعرِّفًا على سبب الحكمة من تسميتها بهذا الاسم: (النساء).

وبعد: فإليك - أيها القارئ الكريم - تفسير سورة النساء، وهو نموذج تفصيليٌّ يُوضِّح لك منهج (التفسير المكي)، الذي ألَّفه الأستاذ المؤرخ الأديب الشيخ طاهر الكردي المكي، تتلمَّس من خلاله تأثُّره بثقافته وبيئته العلمية واهتماماته ونظراته الإصلاحية، وليكون هذا النموذج سبيلًا إلى التواصل العلمي، وتقديم الاقتراحات المطلوبة في خدمة هذا التفسير، وإسداء النصيحة فيما قمتُ به نحو هذه السورة وغيرها ممَّا سبقها ولحقها من خدمات مُتعدِّدات، لنُسدِّد العمل، ونُقوِّم المنهج، ونتعاونَ في تحقيق النصيحة لكتاب الله عزَّوجلَّ.
=========================================
 
من رابطة العلماء السوريون
وسائل القرآن في حوار الآخر   المؤلف : محمد رفعت زنجير
 
 

هذا البحث مقسم إلى مقدمة وتمهيد و(22) فقرة، ومذيل بخاتمة

في المقدمة ذكرت سبب كتابة هذا البحث وأنه يأتي ضمن الرد على حملة شرسة تتهم الإسلام بعدم احترام الفكر والرأي لدى الناس.

وفي التمهيد بينت أن الدعوة إلى الله هي مهمة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، وأن القرآن الكريم كتاب يحترم العقل والمنطق، ويدعو إلى التفكر والحوار مع مختلف البشر ممن لا يؤمنون به، وفي القرآن الكريم آيات كثيرة في هذا الصدد، مما يدل على حيويته وملامسته لواقع الناس الديني والفكري

وذكرت أن للدعوة أساليبها ووسائلها في إقناع الآخر، وإلزامه الحجة، وقد ناقشنا هذه الوسائل مناقشة علمية هادئة من خلال ما يقوله الله عز وجل في كتابه مباشرة للكافرين والمعاندين، أو من خلال ما يعلمه لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من أساليب الحوار والحجاج، وكانت المناقشة ضمن (22) فقرة وفق التالي:

1- الاحتكام إلى العقل

2- الاحتكام إلى النفس

3- الاحتكام إلى الفطرة

4- الاحتكام إلى البيئة

5- الاحتكام إلى الكون ومظاهره

6- الاحتكام إلى التاريخ

7- الاحتكام إلى المستقبل

8- الاحتكام إلى أهل العلم والخبرة

9- الاحتكام إلى القيم الفاضلة

10- الاحتكام إلى المصلحة العامة

11- الاحتكام إلى خوارق العادات (المعجزات)

12- الاحتكام إلى المعجزة القرآنية

13- استخدام التشبيه

14- المذهب الكلامي

15- تسخير طاقات اللغة

16- طلب الدليل والبرهان

17 - دحض شبهة الخصم

18- الاحتكام إلى القيم الجمالية

19- الاحتكام إلى السيرة النبوية

20- الاحتكام إلى المنهج التجريبي

21- الوعد والوعيد

22- الاحتكام إلى الله عز وجل

وفي الخاتمة ذكرت نتائج البحث وأهم المقترحات، وتوصلت إلى أن القرآن استخدم جميع الوسائل المتاحة في الكون والحياة والإنسان ذاته من أجل إثبات قضاياه التي يطرحها، واستخدم سجل الحياة الإنسانية ماضيها ومستقبلها للغرض السابق أيضا، وسخر طاقات اللغة التعبيرية والعلوم والمعارف جميعها، واعتمد على الفطرة السليمة ولم يأل جهدا في إيقاظها وتنبيهها، واستخدم أجود أساليب التعبير والحوار لإقامة حجته، وأشاد بالمعجزات على أنها دلائل إثبات صدق المرسلين، وأعظمها هذا القرآن العظيم، واحتكم إلى مصالح العباد التي تقتضي الإيمان من أجل سيرورة الحياة وبقائها.

وأوصيت بما يلي:

1- تشجيع الدراسات الحوارية بين الإسلام ومخالفيه أو خصومه.

2- استخدام المزيد من الوسائل المتاحة لهذا الغرض كالصحف والأفلام والشبكة الإلكترونية.

3- نؤكد على أن الحوار هو في صالح الإسلام أولا.

وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم

جميع المواد المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِر بالضرورة عن رأي رابطة العلماء السوريين
=====================================


 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق