الخميس، 7 أبريل 2022

العدل بين الزوجات - أسامة بن زيد الخيبري

 

    بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ

  {، أحمده سبحانه عدد ما حمده الحامدون، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

من يلمس واقع كثير من الرجال في كثير من الأسر وبكثرة تظلم الزوجات، من عدم إنصاف أزواجهن لهن، وهذا مما لا شك فيه يعكس صورة سيئة لمن أراد التعدد؛ بحجة عدم الإنصاف، ومن هنا كتبت هذه الأسطر حول العدل بين الزوجات، مخاطبًا بها المعددين، بصيغة سهلة لمن قرأها منهم؛ لتتجلى كيفية العدل للرجال في أبسط العبارات والجمل، لا سيما وأن كثيرا من الرجال لا يلقى لهذا الأمر اهتمامًا، أو يجهل كيفية العدل بالصورة الشرعية الصحيحة.

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.

كتبه

أسامة بن زيد الخيبري


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القائل: }إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ{ أحمده سبحانه عدد ما حمده الحامدون والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين. أما بعد:

أخي المعدد:

أكتب هذه الكلمات وهي تحمل بين جنباتها وطياتها صدق النصح لك، والحب فيك، والخوف عليك، النصح لك للخيرات، والحب فيك دخول الجنات، والخوف عليك الزج في الدركات، فارع السمع، وأيقظ القلب، لترضي رب الأرض والسموات قال جل شأنه: }فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ{ [النساء: 3].

فها أنت قد نكحت بأكثر من زوجة إلى أربع، وهذا هو الذي يسمى «التعدد» فالله تعالى أباح لعباده التعدد إلى أربع زوجات، وهذا من رحمة الله تعالى بعباده، ولتحقيق مصالح عظمى للرجال والنساء على حد سواء، من أعظمها صيانة الفروج عن الحرام، وطلبًا للنسل لإكثار سواد المسلمين، إلى غير ذلك من المصالح المترتبة على ذلك، ولكن الله تعالى قيد التعدد بأمر عظيم، قيده بالعدل.. نعم العدل.. وهذا فيه مؤشر إلى واضح بحفظ حقوق المرأة من قبل الله تعالى وصيانتها وإنصافها.

فيا أخي المبارك:

هل فكرت أو تأملت هذا القيد الرباني ما دمت تريد التعدد؟ أو عددت؟

إنه العدل، فالعدل كلمة لا تقوم المجتمعات البشرية قاطبة في أصقاع المعمورة إلا عليها وعلى مبدأ المحبة والتآخي، والصفاء وإعطاء أهل الحقوق حقوقهم، قال تعالى: }وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{ [الحجرات: 9].

فيا أيها المعدد:

أنت الآن راع على مجتمع مصغر من الزوجات فلا بد لك من تحقيق هذا المطلب السامي «العدل».

ولابد لك أيضًا أن تدرك أن كلمة العدل يندرج تحتها شتى مجالات، منها: العدل في الولاية، والعدل في القضاء، والعدل في تطبيق الحدود، والعدل في المعاملات بين الناس، والعدل مع الأعداء، والعدل مع الأولاد.

والعدل بين الزوجات وغير ذلك([1]).

فالعدل إذا كان جامعة واسعة النطاق، فالذي يعنينا من هذه الجوانب الكريمة السامية جانب العدل بين الزوجات فهو مدار حديثنا.

** ** **


فيم يكون العدل بين الزوجات؟

1 - النفقة: وهي أن تنفق على كل واحدة من زوجاتك في محل إقامتها بكفايتها عرفًا، من الطعام والشراب وتوابع ذلك، وإذا كان لإحداهن أولاد زاد في نفقتها عن الأخريات، تحريًّا للعدل.

2 - الكسوة: وهي أن تكسي زوجاتك من الملبس وتوابعه بالعدل بينهن مع عدم تفضيل زوجة على زوجة }لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ{ [الطلاق: 7].

3 - المسكن: وهو أن تعطي كل واحدة منهن غرفة إن كن في منزل واحد برضاهن، أو كل واحدة بيتًا مستقلاً على حده.

4 - المبيت: أن تبيت - يعني تنام - عند كل زوجة ليلة إلا إذا وهبت إحدى زوجاتك ليلتها أو بعضها لزوجة أخرى فلا حرج عليك في ذلك - إن شاء الله -.

5 - أما العدل في الحب وتوابعه من الجماع ونحوه فهذا غير مستطاع وهو المراد من قوله تعالى: }وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ{ [النساء: 129]([2]).


أسباب تعين على تحقيق العدل بين الزوجات

1 - الدعاء: قال جل شأنه: }وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ{ [غافر: 60].

أتهزأ بالدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء سهام الليل لا تخطئ ولكن لها أمد وللأمد انقضاء.

وانتهاز الأوقات الشريفة القريبة للاستجابة كالسجود، والثلث الأخير من الليل، وآخر ساعة من العصر من يوم الجمعة.. إلخ.

2 - مراقبة الله تعالى في كل الأحوال.

3 - التأمل بحياة النبي في تعامله مع زوجاته والتأسي به ، قال تعالى: }لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ{ [الأحزاب: 21] ومعنى أسوة: قدوة.

يا من تريد نجاة يوم الحسا

 

ب من الجحيم وموقد النيران

اتبع رسول الله في الأقوال والأ

 

لا تخرج عن القرآن([3])

4 - الصبر على ما قد يحدث من الزوجات من تصرفات مزعجة ناتجة عن جبلة الغيرة لدى النساء قال تعالى: }وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللَّهِ{ [النحل: 128].

وقال تعالى: }وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ{ [البقرة: 155].

وقال تعالى: }وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ{ [آل عمران: 146].

وإذا عرتك بلية فاصبر لها

 

صبر الكريم فإنه بك أعلم

5 - ترغيب النفس بالجنة وما أعد الله فيها للعادلين بين زوجاتهم.

هي جنة طابت وطاب نعيمها

 

فنعيمها باق وليس بفان

دار السلام وجنة المأوى ومن

 

زل عسكر الإيمان والقرآن

فالدار دار سلامة وخطابهم

 

فيها سلام واسم ذي الغفران([4])

6 - ترهيب النفس بالنار وما أعده الله لغير العادلين بين زوجاتهم.

7 - محاولة جمع القلوب بين الزوجات بالكلمة الطيبة، والبشاشة والأسلوب الأمثل.

8 - توزيع الأدوار على الزوجات لا سيما وإن كن في منزل واحد كالطبخ والغسيل وما أشبه ذلك.

9 - عدم الاختلاط بالناس كثيرًا لا سيما من ديدنه نقل الكلام، والتفريق وخراب البيوت.

10 - وضع درس أسبوعي في التفسير، أو الحديث أو السيرة، أو غير ذلك في البيت إن كن في بيت واحد، أو كل أسبوع عند إحداهن إن كن في بيوت مستقلة، علَّ النفوس تنسجم مع بعضها البعض بفضل وبركة الاجتماع على ذكر الله تعالى: }أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ{ [الرعد: 28].


ثمرات العدل بين الزوجات

1 - سرعة الاستجابة لأمر الله تعالى بحقيق العدل.

2 - الوقوف على منابر الجنة من نور يمين الله تعالى.

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: «إن المقسطين عند الله على منابر من نور: الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا»([5]).

3 - نيل السعادة في الدنيا والآخرة - إن شاء الله تعالى.

4 - الانسجام التام - بإذن الله تعالى - بين الزوجات لما يظهر لهن من عدل الرجل وإنصافه.

5 - أن تكون قدوة لغيرك من المعددين ليتسنى لهم التآسي بك، وهنا لا يحرمك الله الأجر من جراء هذا العمل الطيب قال تعالى: }وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا{. [الفرقان: 74].

جزاء من لم يعدل بين زوجاته

إمالة الشق يوم القيامة - والعياذ بالله - فهذا جزاء مخيف أيما خوف، فاللهم سلم سلم، فعن أبي هريرة t عن الرسول : «من كان له امرأتان، فما إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل»([6]).

فيا أخي المعدد:

قف عند هذا الحديث وتأمله بهدوء فهو الذي يبين مصير من لم يحقق العدالة بين الزوجات فهو قول المصطفى r الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.

فإن كان في القلب إيمان فسوف تنساق للعدل وترتدع عن عدم العدل.

** ** **

صور من العدل

أخي المعدد:

هذه صور للعادلين بين زوجاتهم عل صداها يصل إلى قلبك فتتأثر منها لتقودك إلى العدل:

الصورة الأولى:

وهي لأفضل العادلين نبينا محمد ترويها عنه إحدى زوجاته الشريفات أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لتبين عدله للعالم قاطبة فيما رواه الإمام أحمد عنها رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا، وكان قلَّ يوم إلا هو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس (جماع) حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها»([7]).

وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: أن النبي كان إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل منهن يومًا يومها وليلتها([8]).

فيا لروعة العدل منه !!

فأين أنتم منه أيها المعددون في التأسي به ؟

الصورة الثانية:

كان عمر بن الخطاب t من حرصه الشديد على تحقيق العدالة يقول: «اللهم أما قلبي فلا أملك، وأما سوى ذلك فأرجو أن أعدل»([9]).

إنها التقوى من الله تجعله يقول هذا الكلام الجميل والمؤشر على عدالته t وأرضاه.

الصورة الثالثة:

يقول مجاهد عن السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين واصفًا تلمسهم للعدل أنهم كان يستحبون أن يعدلوا بين النساء حتى في الطيب: يتطيب لهذه كما يتطيب لهذه([10]).

الله أكبر.. قلوب خاشعة، قلوب تطمع بجنة عرضها السموات والأرض.

الصورة الرابعة:

لجابر بن زيد قال: كانت لي امرأتان فكنت اعدل بينهما حتى في القُبَل»([11]).

أخي المعدد:

ولولا الإطالة عليك - يا رعاك - لذكرت لك صورًا كثيرة جدًا، ولكن ما ذكرته من الصور فيه كفاية وبركة - إن شاء الله تعالى -.

وأخيرًا: أقول لك أيها المعدد: تلمَّس العدل بين زوجاتك، وارفع شعاره حتى الممات لترفع الدرجات، وتكفر السيئات، وتقال العثرات، وتدخل الجنات.

ولا تنسَ أن تتفكر بمصيرك في الآخرة يوم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم.

فتذكر هذا اليوم العظيم الذي تشيب منه الرؤوس وتتحير منه العقول.

تذكر يوم تأتي الله فردا

 

وقد نصبت موازين القضاء

وهتكت الستور عن المعاصي

 

وجاء الذنب منكشف الغطاء

بل تصور ما هو مصير من يأتي يوم القيامة وهو ظالم لزوجاته، غير عادل بينهن - وحاشاك أن تكون منهم -.

والله أسأل أن تكون ممن يعدل بين زوجاته، وتكون على منابر من نور عن يمين الله تعالى، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم أجمعين

الخاتمة

هذه الكلمات أهمس بها في أذنك أيها المعدد، لتبدأ صفحة جديدة بين الزوجات عنوانها: }اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{.

فأقول ابدأ العدل من هذه الساعة، ولا تعجز، واستعن بالله، وتوكل عليه فهو القائل سبحانه: }وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ{ [الطلاق: 3].

والله أسأل أن يعينك ويسدد خطاك، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

كتبه أسامة بن زيد الخيبري/Ozaid@al-islam.com



([1]) مقومات الداعية الناجح في ضوء الكتاب والسنة . د. سعيد بن علي القحطاني ص 351.

([2]) عشرة النساء من الألف إلى الياء. أبو مالك أسامة بن كمال ص 355.

([3]) نونية ابن القيم.

([4]) نونية ابن القيم.

([5]) أخرجه مسلم.

([6]) أخرجه أهل السنن

([7]) أخرجه أحمد.

([8]) البخاري.

([9]) زوجة واحدة لا تكفي الثانية لا الزانية، عماد الدين حسين، ص 62.

([10]) عشرة النساء من الألف إلى الياء، أبو مالك أسامة بن كمال ص 344.

([11]) عشرة النساء من الألف إلى الياء، أبو مالك أسامة بن كمال ص 345.

==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق