المصحف ق الحق الالهي

79 مصاحف روابط 9 مصاحف

تحديث قانون الحق الالهي

فاضي

7

الثلاثاء، 16 فبراير 2021

إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 

من حديث: (إنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض..)

17/219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.

 
18/220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرامًا رواه البخاري.

 
19/221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ
t وعنها، قَالَتْ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ رواه البخاري.

من حديث: (إنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض..) 

 

17/219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.


18/220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ اللَّه ﷺ: لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرامًا رواه البخاري.


19/221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ
t وعنها، قَالَتْ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ رواه البخاري.

ما لا يحله قضاء القاضي .

( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة .

( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا أسامة بن زيد الليثي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس لهما بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له به قطعة من النار ، يأتي بها إسطاما في عنقه يوم القيامة ، قالت : فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقي لأخي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذ فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه .

( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن بشر الغنوي قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قطعت له من حق أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار [ ص: 357 ]

( 4 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا ابن عون عن إبراهيم عن شريح أنه كان يقول للخصوم : سيعلم الظالمون حق من نقصوا ، إن الظالم ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .

( 5 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن أبي زائدة عن عوف عن محمد قال : كان شريح مما يقول للخصيم : يا عبد الله ، والله إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالما ، ولكني لست أقضي بالظن ، ولكن أقضي بما أحضرني ، وإن قضائي لا يحل لك ما حرم عليك .

--------------------

شرح حديث ( أنما أنا بشر ٌ، وإنكم تختصمون إليّ...) من رياض الصالحين للعثيمين رحمه الله
عن أم سلمة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشرٌ ، وإنكم تختصمون إلىّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمعُ، فمن قضيت له بحقِّ أخيه فإنما أقطعُ لهُ قطعة من النارِ" متفق عليه [349].
" ألحن" أي : أعلم .
الشرح
ذكر المؤلف - رحمه الله - باب تحريم الظلم ووجوب رد المظالم إلى أهلها عن أم سلمة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشرٌ مثلكم ، وإنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم أو يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار".
ففي هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، ليس ملاكاً من الملائكة ، بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشر بمقتضى الطبيعة البشرية ، فهو صلى الله عليه وسلم يجوع ويعطش، ويبرد ويحتر، وينام ويستيقظ، ويأكل ويشرب، ويذكر وينسى، ويعلم ويجهل بعض الشي كالبشر تماماً ، يقول صلى الله عليه وسلم " إنما أنا بشرٌ مثلكم".
وهكذا أمره الله عزّ وجلّ أن يعلن للملأ فيقول: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)(الكهف:110) ، فلست إلها يُعبد ، ولا رباً ينفع ويضر، بل عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
وبهذا تنقطع جميع شيه الذين يتعلقون بالرسول صلى الله عليه وسلم ممن يدعونهُ، أو يعبدونه، أو يؤملونه لكشف الضر، أو يؤملونه لجلب الخير، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ)(الجـن:21-23)لو أراد الله أن يصيبني بسوء ما أجارني منه أحد؛ إلا بلاغاً من الله ورسالاته.
وفي قوله: " إنما أنا بشر مثلكم" تمهيد لقوله " وإنكم تختصمون إلي" يعني فإذا كنت بشراً مثلكم فإني لا أعلم من المحق منكم ومن المبطل " تختصمون إلي": يعني تتحاكمون إلى في الحصومة، فيكون بعضكم ألحن من البعض الآخر في الحجة، أي أفصح وأقوى كلاماً، يقال: فلان حجيج وفلان ذو جدل، يقوى على غيره في الحجة، كما قال الله تعالى: ( فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)(صّ: 23) أي غلبني في الخطاب والمخاصمة، فهكذا هنا ألحن يعني أبين وأفصح وأظهر.
وهذا مشاهد، فقد تجد اثنين يتحاكمان إلي القاضي؛ أحدهما يكون عنده لسان وعنده بيان وحجة وقوة جدل، والثاني دون ذلك وإن كان الحق معه، فيحكم القاضي للأول ، ولهذا قال :" وإنما أٌقضي بنحو ما أسمع" وفي قوله :" أقضي بنحو ما أسمع" فسحة كبيرة للقضاة ، وأنهم لا يكلفون بشيء غاب عنهم ، بل يقضون حسب البيانات التي بين أيديهم ، فإن أخطئوا فلهم أجر، وأن أصابوا فلهم أجران، ولا يكلفون ما وراء ذلك ، بل ولا يحل لهم أن يحكموا بخلاف الظاهر ؛ لأنهم لو حكموا بخلاف الظاهر لأدى ذلك إلى الفوضى، وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة، ولقيل القاضي يحكم بخلاف الظاهر لسبب من الأسباب.
لهذا كان الواجب على القاضي أن يحكم بالظاهر، والباطن يتولاه الله عزّ وجلّ، فلو ادّعى شخص على آخر بمائة ريال وأتى المدعي بشهود اثنين، فعلى القاضي أن يحكم بثبوت المائة في ذمة المدعى عليه، وإن كان يشتبه في الشهود، إلا أنه في حال الاشتباه يجب أن يتحرى ، لكن إذا لم يوجد قدح ظاهر فإنه يجب عليه أن يحكم ، وإن غلب على ظنه أن الأمر بخلاف ذلك، لقوله :" إنما أقضي بنحو ما أسمع".
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توعد من قُضي له بغير حق فقال:" فمن قضيت له بحق اخيه فإنما أقطع له قطعة من النار" يعني أن حُكم الحاكم لا يبيح الحرام، فلو أن الحاكم حكم للمبطل بمقتضى ظاهر الدعوى ، فإن ذلك لا يحل له ما حكم له به، بل إنه يزداد إثماً، لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق.
وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حكم الحاكم بغير ما بين يديه من الوثائق، مهما كان الأمر ، ولو كان أقرب قريب لك، وأختلق العلماء رحمهم الله : هل يجوز للحاكم أن يحكم بعمله أم لا؟ فقيل: لا يجوز؛ لأنه قال :" فأقضي له بنحو ما أسمع" و لأنه لو قضى بعلمه لأدى ذلك إلى التهمة؛ لأن العلم ليس شيئاً ظاهراً يعرفه الناس حتى يحكم له به، وقال بعض العلماء : بل يحكم بعلمه ، وقال آخرون: بل يتوقف إذا وصلت البينة إلى ما يخالف علمه.
والأصح أنه لا يحكم بعلمه إلا في مسائل خاصة، ومثال ذلك إذا حكم بعلمه بمقتضى حجة المتخاصمين في مجلس الحكم، فمثلاً إذا تحاكم شخصان فأقر أحدهما بالحق، ثم مع المداولة والأخذ والرد أنكر ما أقرّ به أولاً، فهنا للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأنه علمه في مجلس الحكم.
ومثال آخر: إذا كان مشتهراً ، مثل أن يشتهر أن هذا المُلك وقف عام للمسلمين، أو يشتهر أنه ملك فلان، ويشتهر ذلك بين الناس، فهنا له أن يحكم بعلمه؛ لأن التهمة في هذه الحال منتفية، ولا يتهم القاضي بشيء، ولا يمكن أن يتجرأ أحد للحكم بعلمه وهو خاطئ بناء على أنه أمر مشهور.
والقول الصحيح في هذا هو التفصيل ، وإلا فإن الواجب أن يكون القضاء على حسب الظاهر لا على حسب علم القاضي.
ولكن إذا جاء الشيء على خلاف علمه تحول المسألة إلى قاضٍ آخر، ويكون هو شاهداً من الشهود، مثل أن يدعي شخص على آخر بمائة ريال فينكر المدعى عليه والقاضي عنده علم بثبوت المائة على المدعى عليه ، فلا يحكم هنا بعلمه ولا يحكم بخلاف علمه، بل يقول : أحولها على قاضٍ آخر وأنا لك أيها المدعي شاهد، فتحول القضية على قاضٍ آخر، ثم يكون القاضي هذا شهاداً ، فيحكم بيمين المدعى وشهادة القاضي.

 ومن موقع الالوكة



شرح حديث أم سلمة: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي"



عن أم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِه من بعضٍ، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه فإنما أَقطَعُ له قطعةً من النارِ))؛ متفق عليه.



"ألحن" أي: أعلم.



قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:

ذكر المؤلِّف رحمه الله باب تحريم الظلم ووجوب ردِّ المظالم إلى أهلها، عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِه من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحقِّ أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار)).



ففي هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ مثلنا، ليس ملاكًا من الملائكة، بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشرَ بمقتضى الطبيعة البشرية، فهو صلى الله عليه وسلم يجوع ويعطش، ويبرد ويحترُّ، وينام ويستيقظ، ويأكل ويشرب، ويذكُر وينسى، ويعلم ويجهل بعض الشيء كالبشر تمامًا، يقول صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم))

.

وهكذا أمره الله عزَّ وجلَّ أن يعلن للملأ فيقول: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110]، فلستُ إلهًا يُعبَد، ولا ربًّا ينفع ويضُرُّ، بل عليه الصلاة والسلام لا يملِك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.



وبهذا تنقطع جميعُ شُبَهِ الذين يتعلَّقون بالرسول صلى الله عليه وسلم ممن يدْعونه، أو يعبدونه، أو يؤمِّلونه لكشف الضر، أو يؤمِّلونه لجلب الخير، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يملِك ذلك ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ﴾ [الجن: 21 - 23]، لو أراد الله أن يُصيبني بسوء ما أجارني منه أحدٌ؛ إلا بلاغًا من الله ورسالاته.



وفي قوله: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم)) تمهيدٌ لقوله: ((وإنكم تختصمون إليَّ))؛ يعني فإذا كنتُ بشرًا مثلكم فإني لا أعلم مَن المُحِقُّ منكم ومن المبطِل ((تختصمون إليَّ)): يعني تتحاكمون إليَّ في الخصومة، فيكون بعضكم ألحَنَ من البعض الآخر في الحجة؛ أي: أفصح وأقوى كلامًا، يقال: فلان حجيج وفلان ذو جدل؛ يقْوى على غيره في الحجة، كما قال الله تعالى: ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]؛ أي غلَبَني في الخطاب والمخاصمة، فهكذا هنا "ألحَن" يعني أبْيَنَ وأفصح وأظهَر.



وهذا مشاهَد، فقد تجد اثنين يتحاكمان إلى القاضي؛ أحدهما يكون عنده لسان وعنده بيان وحجة وقوة جدل، والثاني دون ذلك وإن كان الحقُّ معه، فيحكم القاضي للأول؛ ولهذا قال: ((وإنما أَقضي بنحو ما أسمع))، وفي قوله: ((أقضي بنحو ما أسمع)) فسحةٌ كبيرة للقضاة، وأنهم لا يكلَّفون بشيء غاب عنهم، بل يقضون حسب البيانات التي بين أيديهم، فإنْ أخطؤوا فلهم أجرٌ، وأن أصابوا فلهم أجرانِ، ولا يكلَّفون ما وراء ذلك، بل ولا يحلُّ لهم أن يحكُموا بخلاف الظاهر؛ لأنهم لو حكموا بخلاف الظاهر لأدَّى ذلك إلى الفوضى، وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة، ولقيل: القاضي يحكم بخلاف الظاهر لسبب من الأسباب.



لهذا كان الواجب على القاضي أن يحكم بالظاهر، والباطن يتولاه الله عزَّ وجلَّ، فلو ادَّعى شخص على آخرَ بمائة ريال، وأتى المدعي بشهود اثنين، فعلى القاضي أن يحكم بثبوت المائة في ذمَّة المدعى عليه، وإن كان يشتبه في الشهود، إلا أنه في حال الاشتباه يجب أن يتحرَّى، لكن إذا لم يوجد قدحٌ ظاهر فإنه يجب عليه أن يحكم، وإن غلب على ظنه أن الأمر بخلاف ذلك؛ لقوله: ((إنما أقضي بنحو ما أسمع)).



ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توعَّدَ من قُضِيَ له بغير حق، فقال: ((فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) يعني أن حُكم الحاكم لا يُبيح الحرام، فلو أن الحاكم حكَمَ للمبطِلِ بمقتضى ظاهر الدعوى، فإن ذلك لا يحلُّ له ما حكم له به، بل إنه يزداد إثمًا؛ لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق.



وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حكم الحاكم بغير ما بين يديه من الوثائق، مهما كان الأمر، ولو كان أقرَبَ قريب لك، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز للحاكم أن يحكم بعِلْمِه أم لا؟ فقيل: لا يجوز؛ لأنه قال: ((فأقضي له بنحو ما أسمع))، ولأنه لو قضى بعلمه لأدَّى ذلك إلى التهمة؛ لأن العلم ليس شيئًا ظاهرًا يعرفه الناس حتى يحكم له به، وقال بعض العلماء: بل يحكم بعلمه، وقال آخرون: بل يتوقَّف إذا وصلت البيِّنة إلى ما يخالف عِلمَه.



والأصح أنه لا يحكم بعلمه إلا في مسائلَ خاصة، ومثال ذلك إذا حكم بعلمه بمقتضى حُجة المتخاصمين في مجلس الحكم، فمثلًا إذا تحاكَمَ شخصان فأقرَّ أحدهما بالحق، ثم مع المداولة والأخذ والرد أنكَرَ ما أقرَّ به أولًا، فهنا للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأنه علمه في مجلس الحكم.



ومثال آخر: إذا كان مشتهرًا، مثل أن يشتهر أن هذا الملك وقفٌ عام للمسلمين، أو يشتهر أنه ملكُ فلان، ويشتهر ذلك بين الناس، فهنا له أن يحكم بعلمه؛ لأن التهمة في هذه الحال منتفية، ولا يُتهَم القاضي بشيء، ولا يمكن أن يتجرَّأ أحد للحكم بعلمه وهو خاطئ بناء على أنه أمر مشهور.



والقول الصحيح في هذا هو التفصيل، وإلا فإن الواجب أن يكون القضاء على حسب الظاهر، لا على حسب علم القاضي.



ولكن إذا جاء الشيء على خلاف علمه، تُحوَّل المسألة إلى قاضٍ آخر، ويكون هو شاهدًا من الشهود، مثل أن يدعي شخص على آخر بمائة ريال، فينكر المدعى عليه، والقاضي عنده علمٌ بثبوت المائة على المدعى عليه، فلا يحكم هنا بعلمه ولا يحكم بخلاف علمه، بل يقول: أُحوِّلها على قاضٍ آخر، وأنا لك أيها المدعي شاهد، فتُحوَّل القضية على قاضٍ آخر، ثم يكون القاضي هذا شاهدًا، فيحكم بيمين المدعي وشهادة القاضي.


المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 530 - 534)  
روابط ذات صلة 
 العناية بشروح كتب الحديث والسنة(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث: اللهم أنت السلام ومنك السلام(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام(مقالة - ملفات خاصة)
شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: رد السلام"(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث أم سلمة: يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث جابر: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث أم سلمة: كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله توكلت على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
حديث: اللهم أنت السلام ومنك السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
الفوائد البيداغوجية في الأحاديث النبوية: حديث جبريل عليه السلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)

----------------------

قضاء الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً 

من موقع رابطة العلماء السوريون

  الشيخ عبد الوهاب حمودة

روى البخاري ومسلم، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جَلبة خصم بباب حجرته فخرج، فقال: (إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعلَّ بعضَكم أن يكون أبلغَ بحجته من بعض، فأحسب أنَّه صادق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها).

المعنى:

هذه قصة الضمير الإنساني أراد رسول الله صلوات الله عليه أن ينبِّه أمته إلى حكمه وهدايته، وأنَّه المرجع في الهداية والضلال، وأنه المسؤول عن الأعمال، وهو السراج الذي أقامه الله في صدر كل إنسان: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] {البلد:10}، [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10) ]. {الشمس}..

فالضمير هو القاضي الذي يقاضي المرء على عمله، كما أنَّه مصدر المكافآت والعقوبات ومنظِّم السلوك، ومقوِّم الاعوجاج، وأنه لا يمكن مخالفة ما يمليه على صاحبه إلا بثمن أقله موت الروح الأدبي، والقضاء على الحياة بالإهانة والتحقير.

فالمؤمن الحق هو الذي يُصغي إلى ضميره إذا ناداه، ويجيب داعي وجدان الحق إذا هتف به، فلا يغترَّ بحكم قاضٍ إذا كان هو يعلم أنَّ الحق غيره، ولا يأخذ بفتوى مُفْتٍ ما دام هو واثقاً من أنها لم تصادف الصواب، فإنَّ القاضي إنما يحكم بما له من أدلة ظاهرة، والمفتي إنما يفتي بما قُدِّم له من وقائع مصورة.

أما حقيقة الواقع فلا يعلمها إلا صاحبها، فإذا ما نال حقاً ليس له أو اغتصب أمراً لا يملكه فلن ينفعَه من عذاب الله تعالى قضاءُ قاضٍ ولا فتوى مفتٍ.

أرأيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُشير في الحديث إلى أسلوب سامٍ في التربية، ومبدأ سليم في الإرشاد، وهو الرجوع إلى سلطان الضمير وحدَه، والاحتكام إلى نور الوجدان الباطني والإلهام الصادق القلبي.

روى الإمام أحمد عن وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر، قلت: نعم، قال: استفتِ قلبَك، البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.

أما الذين لا ضمائر لهم بأن أطفأوا نور الله تعالى في باطنهم فأظلمت وجداناتهم، وأعتمت سرائرهم فأولئك يجرون في عنان الشهوة، ويركبون مطية الهوى ولا يصدرون في أعمالهم إلا عن باعث من الأَثَرة وحب النفس، ثم هم يعلمون أنهم على خطأ ولا يبرحون من لذع ضمائرهم في نَصَب، وقانون العدالة يصرخ في باطنهم، فيؤمنون بأنهم مخطئون وفي حق أنفسهم ظالمون، ولكن سلطان الهوى وقلة الرادع الديني وما نجم بين هذا أو ذاك من طول معاودة المنكر قد فلَّ من شبا عزيمتهم وحطَّم من قوى مقاومتهم، حتى أصبح الإثم لهم عادة وارتكاب الجرائم لهم طبعاً، فهؤلاء قد ختم الله على قلوبهم بأفعالهم وعلى أبصارهم غشاوة لتماديهم في الباطل فهم يَعْمهون.

لذلك أوجب الإسلام محاسبة النفس وتمرينها على التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وتعويدها البعد عن مواطن الشبهة ومواقف التهم: قال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شُبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله (الحمى هو الشيء المحمي المحظور( من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه).

وقصة هذا الحديث: أنَّ جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا يختصمون عند باب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث وأشياء قد درست وليست لهم بنية، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) أي: مشارك للبشر في أصل الخلقة، ولو أنه يزيد عليهم بالمزايا التي اختصَّه الله بها في ذاته و صفاته، ولكني لا أدري باطن ما تتحاكمون فيه عندي وتختصمون فيه لدي، وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون؛ فإنَّ الأنبياء لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم به الوحي، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يقضي برأيه فيما لم يتنزل عليه فيه وحي، ولو شاء الله لأطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على باطن الأمر.

فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما هو قطعة من النار، وهذا تمثيل يفهم شدَّة التعذيب، وهو كقوله تعالى: [إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا] {النساء:10}.

وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فليأخذها أو ليتركها) ليس معناه التخيير؛ بل هو التهديد والوعيد، كقوله تعالى: [ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] {الكهف:29}.

يفهم من هذا الحديث أمور:

منها: أن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئاً إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك.

وأنه يجوز على الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الأحكام ما يجوز على بقية البشر، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة واليمين، ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك.

ومنها أنَّ بعض الناس أدرى بمواضع الحجَّة وتصرف القول من بعض، وأن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو بينات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك.

قال العِيني في شرحه للبخاري: وزاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث في رواية الطحاوي بعد أن قال: (فليأخذها أو ليتركها) فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حق لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما (أي اقترعا) ثم ليحلِّل كلُّ واحد منكما صاحبه.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

 ---------------------------------

 

 


 
........

ذو الخويصرة المنافق وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟! قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ

ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ ، فَقَالَ : ( وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ


الحمد لله.
روى البخاري (3610) ومسلم (1064) عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْسِمُ قِسْمًا أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ ، فَقَالَ : ( وَيْلَكَ ! وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ ؟! قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) ، فَقَالَ عُمَرُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ ، فَقَالَ : ( دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ (أي تضطرب) وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنْ النَّاسِ ) .
وذو الخويصرة هذا هو رأس الخوارج ، راجع إجابة السؤال رقم : (191140) .
وفي رواية عن أبي سعيد أيضا قال :
" بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ اليَمَنِ بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ ، لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ تُرَابِهَا ، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ، بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَأَقْرَعَ بْنِ حابِسٍ ، وَزَيْدِ الخَيْلِ ، وَالرَّابِعُ : إِمَّا عَلْقَمَةُ وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ : كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ هَؤُلاَءِ ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ( أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً ) ، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ ، نَاشِزُ الجَبْهَةِ ، كَثُّ اللِّحْيَةِ ، مَحْلُوقُ الرَّأْسِ ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ ، قَالَ: ( وَيْلَكَ ، أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ ) قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ ، قَالَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلاَ أَضْرِبُ عُنُقَهُ ؟ قَالَ: ( لاَ، لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي ) فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَان ِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ ) قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهُوَ مُقَفٍّ ، فَقَالَ: ( إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا، لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) رواه البخاري (4351) ومسلم (1064) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وهذا الرجل هو ذو الخويصرة التميمي " انتهى .
وقد كان هذا الرجل منافقا :
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" هذا الرجل قد نص القرآن أنه من المنافقين بقوله : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) أي يعيبك ويطعن عليك ، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: اعدل واتق الله ، بعدما خص بالمال أولئك الأربعة : نسب للنبي صلى الله عليه وسلم إلى أنه جار ، ولم يتق الله ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟! ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء؟! ) .
ومثل هذا الكلام لا ريب أنه يوجب القتل ، لو قاله اليوم أحد ؛ وإنما لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان يظهر الإسلام ، وهو الصلاة التي يقاتل الناس حتى يفعلوها ، وإنما كان نفاقه بما يخص النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى ، وكان له أن يعفو عنه ، وكان يعفو عنهم تأليفا للقلوب ، لئلا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " انتهى من "الصارم المسلول" (ص 228-229) .
- ويدل على ذلك أيضا ما رواه مسلم (1063) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: " أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِعْرَانَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ حُنَيْنٍ ، وَفِي ثَوْبِ بِلَالٍ فِضَّةٌ ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْبِضُ مِنْهَا، يُعْطِي النَّاسَ ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ : اعْدِلْ ، قَالَ: ( وَيْلَكَ وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ؟ لَقَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : دَعْنِي، يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقْتُلَ هَذَا الْمُنَافِقَ ، فَقَالَ : ( مَعَاذَ اللهِ ، أَنْ يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقْتُلُ أَصْحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصْحَابَهُ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ ، لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ ، يَمْرُقُونَ مِنْهُ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ) .
فلم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر رضي الله عنه تسميته بالمنافق .
- ويدل عليه أيضا رواية البخاري لحديث أبي سعيد المتقدم (6933) وفيه : قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيًّا، قَتَلَهُمْ ، وَأَنَا مَعَهُ ، جِيءَ بِالرَّجُلِ عَلَى النَّعْتِ الَّذِي نَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: فَنَزَلَتْ فِيهِ: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) التوبة/ 58 .
وقوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ) إنما نزل في أهل النفاق .
قال ابن كثير رحمه الله :
" يَقُولُ تَعَالَى: (وَمِنْهُمْ) أَيْ وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ (مَنْ يَلْمِزُكَ) أَيْ يَعِيبُ عَلَيْكَ فِي قَسْمَ الصَّدَقاتِ إِذَا فَرَّقْتَهَا ، وَيَتَّهِمُكَ فِي ذَلِكَ ، وَهُمُ الْمُتَّهَمُونَ الْمَأْبُونُونَ ، وَهُمْ مَعَ هَذَا لَا يُنْكِرُونَ لِلدِّينِ ، وإنما ينكرون لحظ أنفسهم ؛ ولهذا فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ ؛ أَيْ يَغْضَبُونَ لِأَنْفُسِهِمْ .. " انتهى من "تفسير ابن كثير" (4/ 144) .

وقال القاري رحمه الله :
" ذُو الْخُوَيْصِرَةِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ ، نَزَلَ فِيهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ ) ، فَهُوَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ " انتهى مختصرا من "مرقاة المفاتيح" (9/ 3796) .

وينظر :
- عمدة القاري (16/143)
- دليل الفالحين (1/186)
- تفسير ابن عطية (3/46)
- شرح الزرقاني على الموطأ (1/251)
- "التحرير والتنوير" (10/ 232)
وراجع إجابة السؤال رقم : (148986) لمعرفة الفرق بين المنافق والمرتد .

 

نماذج من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم


نماذج من عدل الرسول صلى الله عليه وسلم


الإسلام هو دين العدالة، وإنَّ أمة الإسلام هي أمة الحق والعدل، وقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم العدل، وكان نموذجًا في أعلى درجاته، وأقامه خلفاؤه من بعده.


- فقد ورد ((أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمر بسواد بن غزيَّة حليف بني عدي ابن النجار قال: وهو مستنتل (1) من الصف، فطعن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدح في بطنه، وقال: استو يا سواد. فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالعدل، فأقدني. قال: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: استقد. قال: يا رسول الله، إنَّك طعنتني، وليس عليَّ قميص. قال: فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه، وقال: استقد (2) قال: فاعتنقه، وقبَّل بطنه، وقال: ما حملك على هذا يا سواد؟ قال: يا رسول الله، حضرني ما ترى، ولم آمن القتل، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك. فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم له بخير)) (3) .


- وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ((أنَّ قريشًا أهمَّهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: من يكلِّم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكلمه فيها أسامة بن زيد، فتلوَّن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟! فقال له أسامة: استغفر لي يا رسول الله. فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال              أما بعد: فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني -والذي نفسي بيده- لو أنَّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها)) (4) . ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقُطعت يدها.



انظر أيضا:

نماذج من عدل الصحابة رضي الله عنهم


محتويات الصفحة: - عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه: .- عدل علي رضي الله عنه: .

عدل عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
- عن عطاء: قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يأمر عماله أن يوافوه بالموسم، فإذا اجتمعوا قال:
(أيها الناس، إني لم أبعث عمالي عليكم ليصيبوا من أبشاركم ولا من أموالكم، إنما بعثتهم ليحجزوا بينكم، وليقسموا فيئكم بينكم. فمن فعل به غير ذلك فليقم. فما قام أحد إلا رجل واحد قام، فقال: يا أمير المؤمنين، إنَّ عاملك فلانا ضربني مائة سوط. 

قال: فيم ضربته؟ 

قم فاقتص منه. فقام عمرو بن العاص فقال: يا أمير المؤمنين إنك إن فعلت هذا يكثر عليك ويكون سنة يأخذ بها من بعدك. 

فقال: أنا لا أُقيد وقد رأيت رسول الله يقيد من نفسه. 

قال: فدعنا فلنرضه. قال: دونكم فأرضوه. فافتدى منه بمائتي دينار. كل سوط بدينارين) (1) .


- ولما أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتاج كسرى وسواريه، قال: (إنَّ الذي أدَّى هذا لأمين! قال له رجل: يا أمير المؤمنين، أنت أمين الله يؤدون إليك ما أديت إلى الله تعالى، فإذا رتعت رتعوا) (2) .


عدل علي رضي الله عنه:
- افتقد علي رضي الله عنه درعًا له في يوم من الأيام، ووجده عند يهودي، فقال لليهودي: (الدرع درعي لم أبع ولم أهب، 

فقال اليهودي: درعي وفي يدي، 

فقال: نصير إلى القاضي، فتقدَّم علي فجلس إلى جنب شريح، وقال: لولا أنَّ خصمي يهودي لاستويت معه في المجلس، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((وأصغروهم من حيث أصغرهم الله)). 

فقال شريح: قل يا أمير المؤمنين. فقال: نعم، هذه الدرع التي في يد هذا اليهودي درعي لم أبع ولم أهب، 

فقال شريح: إيش تقول يا يهودي؟ 

قال: درعي وفي يدي. 

فقال شريح: ألك بينة يا أمير المؤمنين؟ 

قال: نعم: قَنْبَر والحسن يشهدان أنَّ الدرع درعي. 

فقال شريح: شهادة الابن لا تجوز للأب. 

فقال علي: رجل من أهل الجنة لا تجوز شهادته؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)). 

فقال اليهودي: أمير المؤمنين قدَّمني إلى قاضيه، 

وقاضيه قضى عليه، أشهد أنَّ هذا هو الحقُّ، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنَّ محمدًا رسول الله، وأنَّ الدرع درعك) (3) .

===========


من اسلام ويب


العدل خلق كريم وصفة عظيمة جليلة، محببة إلى النفوس، تبعث الأمل لدى المظلومين، ويحسب لها الظالمون ألف حساب، فالعدل يعيد الأمور إلى نصابها، وبه تؤدى الحقوق لأصحابها، به يسعد الناس، وتستقيم الحياة، ما وجد العدل في قوم إلا سعدوا، وما فقد عند آخرين إلا شقوا .

العدل خلق العظماء ، وصفة الأتقياء ، ودأب الصالحين ، وطريق الفلاح للمؤمنين في الدنيا ويوم الدين ، تحلى به الأنبياء والصالحون والقادة والمربون ، وكان أعظمهم في ذلك ،وأكثرهم قدراً ونصيباً سيد العالمين ، وخاتم الرسل أجمعين ، محمد بن عبدالله عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم .

فالعدل خلق من أخلاقه ، ضمن شمائله العظيمة ، وصفاته الجليلة ، عدل في تعامله مع ربه جل وعلا ، وعدل في تعامله مع نفسه ، وعدل في تعامله مع الآخرين ، من قريب أوبعيد ، ومن صاحب أو صديق ، ومن موافق أو مخالف ، حتى العدو المكابر، له نصيب من عدله صلى الله عليه وسلم ، وكيف لا يعدل من خوطب بقول واضح مبين، { يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون } (المائدة:8) ، فكان يمتثل أمر الله عز وجل في كل شأن من شؤونه ، مع أصحابه وأعدائه ، آخذاً بالعدل مع الجميع .

يعترض عليه القوم ويخطئ في حقه أناس ، فلا يتخلى عن العدل، بل يعفو ويصفح، كما في حادثة يرويها أبو سعيد الخدري قال: بعث علي رضي الله عنه وهو باليمن بذهبة في تربتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أربعة نفر، الأقرع بن حابس الحنظلي، وعيينة بن بدر الفزاري ، وعلقمة بن علاثة العامري ، ثم أحد بني كلاب ، وزيد الخير الطائي، ثم أحد بني نبهان ، فغضبت قريش، فقالوا : أتعطي صناديد نجد وتدعنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إني إنما فعلت ذلك لأتألفهم ، فجاء رجل كث اللحية مشرف الوجنتين غائر العينين ناتئ الجبين محلوق الرأس ، فقال اتق الله يا محمد ، قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فمن يطع الله إن عصيته، أيأمنني على أهل الأرض ، ولا تأمنوني ) رواه البخاري و مسلم.

ويظهر هذا الخلق العظيم منه صلى الله عليه وسلم في أبهى صورة ، عندما يطلب ممن ظن أنه أخطأ في حقه، أن يستوفي حقه ، بالقود منه ، فعن أبي سعيد الخدري قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكب عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرجون كان معه ، فخرج الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : تعال فاستقد ، قال : بل قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي.

والعدل ملازم للرسول صلى الله عليه وسلم في حله وترحاله ، فهو يكره التميز على أصحابه ، بل يحب العدل والمساواة ، وتحمل المشاق والمتاعب مثلهم ، فعن عبد الله بن مسعود قال: (كنا يوم بدر كل ثلاثة على بعير، وكان أبو لبابة وعلي بن أبي طالب زميلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: وكانت عقبة -دور- رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالا : نحن نمشي عنك، فقال : ما أنتما بأقوى مني ، ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما) رواه أحمد في مسنده.

ولم ينشغل صلى الله عليه وسلم بالدولة وقيادتها ، والغزوات وكثرتها ، عن ممارسة العدل في نطاق الأسرة الكريمة ، وبين زوجاته أمهات المؤمنين ، فقد (كان يقسم بين نسائه فيعدل ويقول اللهم هذه قسمتي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) رواه الترمذي وفيه ضعف ، ومعنى قوله لا تلمني فيما تملك ولا أملك، أي الحب والمودة القلبية ، كما قال أهل العلم .

وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها ) رواه البخاري ومسلم .

فعن أنس قال: ( أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة ، فضربت عائشة القصعة بيدها، فألقت ما فيها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طعام بطعام ، وإناء بإناء) رواه الترمذي وحسنه ، والحديث في البخاري بلفظ آخر .

وفي قضائه بين المتخاصمين كان عادلاً صلى الله عليه وسلم ، بعيداً عن الحيف والظلم ، فعن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته (فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وعلى أهل المواشي حفظها بالليل) رواه أحمد.

وكان صلى الله عليه وسلم لا يرضى تعطيل حدود الله ، التي شرعها سبحانه لإقامة العدل بين الناس ، ولو كان الجاني من أقربائه وأحبابه ، ففي حادثة المرأة المخزومية التي سرقت لم يقبل شفاعة أسامة ، وقال مقالته المشهورة : ( أيها الناس إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ، وايـم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) رواه البخاريو مسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالعدل في الأمور ، وعدم تغليب جانب على حساب آخر ، وإنما الموازنة وإعطاء كل ذي حق حقه ، فقال: (يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل فلا تفعل ، فإن لجسدك عليك حظا ، ولعينك عليك حظا ، وإن لزوجك عليك حظا) رواه مسلم .

وبهذا الخلق العظيم ، والأدب الرفيع ، استطاع صلى الله عليه وسلم ، أن يلفت الأنظار نحوه ، ويحرك المشاعر والأحاسيس إلى مبادئه العظيمة ، ويرسم منهاجاً فريداً لخير أمة أخرجت للناس ، تحمل العدل إلى الناس أجمعين ، وتبدد به ظلمات القهر والظلم.


مواد ذات صلة
 
شجاعة النبي وقوته
 
النبي صلى الله عليه وسلم مع أحفاده 
غارت أمكم

==============

اللهم صل وسلم ويارك على اشرف خلق الله
منقول من هنا

العدل

سرقت امرأة أثناء فتح مكة، وأراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقيم عليها

الحدَّ ويقطع يدها، فذهب أهلها إلى أسامة بن زيد وطلبوا منه أن يشفع لها

عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يقطع يدها، وكان الرسول صلى الله

عليه وسلم يحب أسامة حبَّا شديدًا.

فلما تشفع أسامة لتلك المرأة تغير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال

له: (أتشفع في حد من حدود الله؟!). ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فخطب

في الناس، وقال: (فإنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف

تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله (أداة قسم)، لو

أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعتُ يدها) [البخاري].

***


جاء رجل من أهل مصر إلى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقال له: يا أمير

المؤمنين، لقد تسابقتُ مع ابن عمرو بن العاص وإلى مصر، فسبقتُه فضربني

بسوطه، وقال لي: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر بن الخطاب إلى

عمرو بن العاص: إذا أتاك كتابي هذا فلتحضر إلى ومعك ابنك، فلما حضرا أعطى

عمر بن الخطاب السوط للرجل المصري ليضرب ابن عمرو قائلا له: اضرب ابن

الأكرمين.

***

في عهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أسلم رجل من سادة العرب، وذهب للحج،

وبينما كان يطوف حول الكعبة، داس رجل على طرف ردائه، فضربه على وجهه ضربة

شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر -رضي الله عنه-

إحضار الضارب، فلما حضر أمر عمر الرجل أن يقتص منه بأن يضربه على وجهه

مثلما فعل معه، فقال متعجبًا: وهل أستوي أنا وهو في ذلك؟ فقال عمر: نعم،

الإسلام سوَّى بينكما.

***

يحكى أن رجلا اصطاد سمكة كبيرة، ففرح بها، وفي طريق عودته إلى زوجته

وأولاده، قابله حاكم المدينة، ونظر إلى السمكة التي معه، فأخذها منه، فحزن

الصياد، ورفع يديه إلى السماء شاكيا لله -عز وجل-، طالبًا منه أن يريه

جزاء هذا الظالم.

ورجع الحاكم إلى قصره، وبينما هو يعطي السمكة للخادم لكي يُعِدَّها له،

إذا بالسمكة تعضه في إصبعه، فصرخ وشعر بألم شديد، فأحضروا له الأطباء،

فأخبروه أن إصبعه قد أصابه السم من عضة السمكة، ويجب قطعه فورًا حتى لا

ينتقل السم إلى ذراعه، وبعد أن قطع الأطباء إصبعه، أحس أن السم ينتقل إلى

ذراعه ومنه إلى بقية جسده، فتذكر ظلمه للصياد، وبحث عنه، وعندما وجده ذهب

إليه مسرعًا يطلب منه أن يسامحه ويعفو عنه حتى يشفيه الله، فعفا عنه.

***

ذات يوم، اختلف الإمام على -رضي الله عنه- مع يهودي في درع (يُلبس كالرداء

على الصدر في الحروب)، فذهبا إلى القاضي، وقال الإمام علي: إن هذا اليهودي

أخذ درْعِي، وأنكر اليهودي ذلك، فقال القاضي للإمام علي: هل معك من شهود؟

فقال الإمام علي: نعم، وأحضر ولده الحسين، فشهد الحسين بأن هذا الدرع هو

درع أبيه. لكن القاضي قال للإمام علي: هل معك شاهد آخر؟

فقال الإمام علي: لا.

فحكم القاضي بأن الدرع لليهودي؛ لأن الإمام عليا لم يكن معه من الشهود غير

ولده. فقال اليهودي: أمير المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين فقضى على

أمير المؤمنين ورضى. صدقتَ والله يا أمير المؤمنين.. إنها لدرعك سقطتْ عن

جمل لك التقطتُها؛ أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. فأعطاه

الإمام على الدرع فرحًا بإسلامه.

***

ما هو العدل؟

العدل هو الإنصاف، وإعطاء المرء ما له، وأخذ ما عليه. وقد جاءت آيات كثيرة

في القرآن الكريم تأمر بالعدل، وتحث عليه، وتدعو إلى التمسك به، يقول

تعالى: {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى} [النحل: 90].

ويقول تعالى: {وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل} [النساء: 58].

والعدل اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته سبحانه.

أنواع الـعـدل:

للعدل أنواع كثيرة، منها:

العدل بين المتخاصمين: كان صلى الله عليه وسلم مثالا في تطبيق العدل، وقد

جاء إليه رجلان من الأنصار يختصمان إليه، ويطلبان منه أن يحكم بينهما،

فأخبرهما النبي صلى الله عليه وسلم بأن مَنْ يأخذ حق أخيه، فإنما يأخذ

قطعة من النار، فبكي الرجلان وتنازل كل واحد منهما عن حقه لأخيه.

العدل في الميزان والمكيال: المسلم يوفي الميزان والكيل، ويزن بالعدل، ولا

ينقص الناس حقوقهم، ولا يكون من الذين يأخذون أكثر من حقهم إذا اشتروا،

وينقصون الميزان والمكيال إذا باعـوا، وقـد توَّعـد الله من يفعـل ذلك،

فقـال الله تعالى: {ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون .

وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون . ليوم عظيم}

[المطففين: 1-5]. وقال تعالى: {وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}

[الرحمن: 9].

العدل بين الزوجات: والمسلم يعدل مع زوجته فيعطيها حقوقها، وإذا كان له

أكثر من زوجة فإنه يعدل بينهن في المأكل والمشرب والملبس والمسكن والمبيت

والنفقة، قال الله صلى الله عليه وسلم: (من كانت له امرأتان فمال إلى

إحداهما جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل) [أبو داود والنسائي والترمذي وابن

ماجه].

والميل الذي حذر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقها، ولهذا روي أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين زوجاته -رضوان الله عليهن- بالعدل،

ويقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك).

[أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه].

العدل بين الأبناء: فالمسلم يسوِّي بين أولاده حتى في القُبْلَة، فلا

يُفَضِّل بعضهم بهدية أو عطاء؛ حتى لا يكره بعضهم بعضًا، وحتى لا تُوقَد

بينهم نار العداوة والبغضاء.

يقول النعمان بن بشير: أعطاني أبي عطيةً، فقالت عمرة بنت رواحة (أم

النعمان): لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتى رسول

الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أعطيتُ ابني من عمرة بنت رواحة عطية،

فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله. فقال الله صلى الله عليه وسلم: (أعطيتَ

سائر ولدك مثل هذا؟ قال: لا. قال الله صلى الله عليه وسلم: (فاتقوا الله

واعدلوا بين أولادكم) [البخاري].

العدل مع كل الناس: المسلم مطالب بأن يعدل مع جميع الناس سواء أكانوا

مسلمين أو غير مسلمين، فالله يأمر بعدم إنقاص الناس حقوقهم، قال تعالى:

{ولا تبخسوا الناس أشيائهم} [الشعراء: 138].

وقال تعالى: {ولا يجرمنكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}

[المائدة: 8] أي: لا تحملكم عداوتكم وخصومتكم لقوم على ظلمهم، بل يجب

العدل مع الجميع سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.

فضل العدل:

* العدل له منزلة عظيمة عند الله، قال تعالى: {وأقسطوا إن الله يحب

المقسطين} [الحجرات: 9]. وكان الصحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه-

يقول: عمل الإمام العادل في رعيته يومًا أفضل من عبادة العابد في أهله

مائة سنة.

* العدل أمان للإنسان في الدنيا، وقد حُكي أن أحد رسل الملوك جاء لمقابلة

عمر بن الخطاب، فوجده نائمًا تحت شجرة، فتعجب؛ إذ كيف ينام حاكم المسلمين

دون حَرَسٍ، وقال: حكمتَ فعدلتَ فأمنتَ فنمتَ يا عمر.

* العدل أساس الملك، فقد كتب أحد الولاة إلى الخليفة عمر بن عبدالعزيز

-رضي الله عنه- يطلب منه مالاً كثيرًا ليبني سورًا حول عاصمة الولاية.

فقال له عمر: ماذا تنفع الأسوار؟ حصنها بالعدل، ونَقِّ طرقها من الظلم.

* العدل يوفر الأمان للضعيف والفقير، ويُشْعره بالعزة والفخر.

* العدل يشيع الحب بين الناس، وبين الحاكم والمحكوم.

* العدل يمنع الظالم عن ظلمه، والطماع عن جشعه، ويحمي الحقوق والأملاك والأعراض.

الظلم:

حذَّر الله -تعالى- من الظلم، فقال عز وجل: {ولا تحسبن الله غافلاً عما

يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص في الأبصار} [إبراهيم: 24].

وقال تعالى: {فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم} [_الزخرف: 65].

وقال تعالى: {ألا لعنة الله على الظالمين} [_هود: 18].

وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا من الظلم، فقال: (اتقوا الظلم

فإن الظلم ظلمات يوم القيامة) [مسلم]، وقال الله صلى الله عليه وسلم:

(ثلاث دعوات مستجابات: دعوة الصائم، ودعوة المظلوم، ودعوة المسافر)

[البيهقي].

وقال الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) [البخاري].

أنواع الظلم:

ظلم الإنسان لربه: وذلك بألا يؤمن الإنسان بخالقه ويكفر بالله -عز وجل-

وقد جعل الله الشرك به -سبحانه- من أعظم الظلم، فقال: {لا تشرك بالله إن

الشرك لظلم عظيم} [لقمان: 13].

ظلم الإنسان للإنسان: وذلك بأن يعتدي الظالم على الناس في أنفسهم أو

أموالهم أو أعراضهم، فشتم المسلمين ظلم، وأخذ أموالهم ظلم، والاعتداء

عليهم ظلم، والمسلم بعيد عن كل هذا.

ظلم الإنسان لنفسه: وذلك بارتكاب المعاصي والآثام، والبعد عن طريق

الله -سبحانه- واتباع طريق الشيطان.

جزاء الظلم:

ذات يوم سأل الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فقال: (أتدرون ما

المفلس؟)، قالوا: الْمُفْلِسُ فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال الله صلى

الله عليه وسلم: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام

وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب

هذا. فيعْطَي هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيتْ حسناته قبل أن

يقْضِي ما عليه أُخِذَ من خطاياهم فطُرحت عليه ثم طُرح في النار) [مسلم

والترمذي].

وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أداء الحقوق إلى أصحابها، قبل أن

يأتي يوم القيامة فيحاسبهم الله على ظلمهم، قال الله صلى الله عليه وسلم:

(لَتُؤَدَّن الحقوقُ إلى أهلها يوم القيامة، حتى يقَاد (يُقْتَص) للشاة

الجلحاء من الشاة القرناء) [مسلم].

فكل مخلوق سوف يأخذ حقه يوم القيامة، حتى النعجة التي ليس لها قرون

(جلحاء) إذا ضربتْها في الدنيا نعجة ذات قرون (قرناء)، فإن الأولى سوف

تقتص وتأخذ حقها من الثانية، وقال الله صلى الله عليه وسلم: (من ظلم قيد

شبر من الأرض، طُوِّقَه من سبع أرضين) [متفق عليه].

فكل إنسان يظلم ويأخذ ما ليس حقًّا له فسوف يكون عليه وبالا في الآخرة،

وسوف يعذَّب يوم القيامة عقابًا له على ظلمه في الدنيا، يقول النبي صلى

الله عليه وسلم: (إن الله لَيمْلِي للظالم (أي: يؤخر عقابه)، حتى إذا أخذه

لم يفْلته)

[متفق عليه]، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} [هود: 102].

وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة: (يا عبادي، إني حرَّمتُ

الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تَظَالموا) [مسلم]


والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته 
-----------------------------------------
 





















معالم طبيعية

 https://5aen.net/wp-content/uploads/2019/10/1808.jpg