المصحف ق الحق الالهي

79 مصاحف روابط 9 مصاحف

تحديث قانون الحق الالهي

فاضي

7

الخميس، 7 أبريل 2022

إيقاظ الضمائر للتفريق بين الصغائر والكبائر الشيخ علي ونيس

 






إيقاظ الضمائر للتفريق بين الصغائر والكبائر







الشيخ علي ونيس

إيقاظ الضمائر للتفريق بين الصغائر والكبائر


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
فهذه كلمات مختصرة في التفريق بين الصغائر والكبائر عند الفقهاء والمحدثين، وهو تفريق يطلبه من أراد التعرف على صفات العدل في الشهادة والرواية والولاية، فإن من أهم شروط العدل ترك الفسق، وتحديد ماهية الفسق تحتاج إلى هذا التفريق، هذا فضلاً عن حاجة المكلف إليه في عبادته والتي منها اجتناب الكبائر والتوبة منها، والحذر من الصغار والتساهل فيها.
تعريف الكبائر:
سلك العلماء في تعريف الكبائر مسلكين، فمنهم من عرفها بالحد، ومنهم من عرفها بالعد، قال الزركشي: "اختلفوا في الكبيرة، هل تعرف بالحد أو بالعد، على وجهين. وبالأول قال الجمهور" ([1])، إلا أنهم اختلفوا في حدها وعدها.
أولا: تعريف الكبائر بالحد.
الكبائر لغة: جمع كبيرة، وهي: الإثم ([2]).
واصطلاحا: اختلف الفقهاء في ضابط الكبيرة كما اختلفت ألفاظهم في حدها، وإن تقارب أو اتحد معناها.
فقال بعضهم: ما كان حراماً لعينه فهو كبيرة، وما كان حراماً لغيره فهو صغيرة، وأصح ما قيل في هذا الباب: ما نقل عن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني رحمه الله أنه قال: ما كان شنيعاً بين المسلمين وفيه هتك حرمة الله تعالى والدين، فهو من جملة الكبائر، وكذلك الإعانة على المعاصي والفجور والحث عليها من جملة الكبائر يوجب سقوط العدالة، وإذا كان حدّ الكبائر هذه الأشياء كان ما عداها من جملة الصغائر([3]).
وقال خُواهر زاده([4]): " ما كان حراما محضا سواء سمي في الشرع فاحشة أم لم يسم ولكن شرع عليه عقوبة محضة بنص قاطع إما في الدنيا بالحد أو الوعيد بالنار في الآخرة"([5]).
وقال الزركشي: "كل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده، أو عظم ضرره في الوجود" ([6]).
وقال الماوردي: " ما أوجبت الحد أو توجه بسببها إلى الفاعل وعيد"([7]).
وما نقله القاضي أبو يعلى عن الإمام أحمد بأنها: " كل ذنب أوجب الله فيه حدا في الدنيا أو ختمه بنار في الآخرة" ([8]).
ومن الضوابط قول ابن الصلاح: "للكبائر أمارات، منها: إيجاب الحد، ومنها: الإيعاد عليها بالعذاب بالنار ونحوها في الكتاب والسنة، ومنها: وصف صاحبها بالفسق، ومنها: اللعن"([9]).
وَعَدَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حَدِّهَا إلَى حَدِّ السَّالِبِ لِلْعَدَالَةِ (وَرَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ([10])) فَقَالَ: " كُلُّ جَرِيمَةٍ تُؤْذِنُ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ مُرْتَكِبِهَا بِالدِّينِ، وَرِقَّةِ الدِّيَانَةِ، فَهِيَ مُبْطِلَةٌ لِلْعَدَالَةِ وَكُلُّ جَرِيمَةٍ لَا تُؤْذِنُ بِذَلِكَ، بَلْ تَنْفِي حُسْنَ الظَّنِّ بِصَاحِبِهَا لَا تُحْبِطُ الْعَدَالَةَ قَالَ: وَهَذَا أَحْسَنُ مَا يُمَيَّزُ بِهِ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ مِنْ الْآخَرِ"([11]).
ومع هذا لم يصل أحد في تعريفها إلى حد جامع تنضبط به الكبيرة انضباطا يخلو من نقد، حتى قال العز بن عبد السلام ([12]): "لَمْ أَقِفْ لِأَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى ضَابِطٍ لِلْكَبِيرَةِ لَا يَسْلَمُ من الِاعْتِرَاضِ".
واستظهر الزركشي أن التعريفات المختلفة لا يوجد منها تعريف جامع، وأن كل تعريف ذكر جزءا منها، وباجتماع كل تلك التعاريف يتضح حد الكبيرة فقال ([13]): " وَالظَّاهِرُ أَنَّ كُلَّ قَائِلٍ ذَكَرَ بَعْضَ أَفْرَادِهَا، وَيَجْمَعُ الْكَبَائِرَ جَمِيعُ ذَلِكَ"
وقال ابن حجر الهيتمي: " وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا سَبَقَ مِنْ الْحُدُودِ إنَّمَا قَصَدُوا بِهِ التَّقْرِيبَ فَقَطْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَيْسَتْ بِحُدُودٍ جَامِعَةٍ وَكَيْفَ يُمْكِنُ ضَبْطُ مَا لَا طَمَعَ فِي ضَبْطِهِ"([14]).
وقال النووي ([15]): "وَإِذَا ثَبَتَ انْقِسَامُ الْمَعَاصِي إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِهَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا مُنْتَشِرًا جدا"
ونفى الواحدي وجود ضابط واضح للكبيرة في الكتاب والسنة، وأن خفاء الضابط كان بقصد من الشارع ـ سبحانه وتعالى ـ فقال: "الصحيح أنه ليس للكبائر حد يعرفه العباد وتتميز به عن الصغائر تمييز إشارة، ولو عرف ذلك لكانت الصغائر مباحة، ولكن أخفي ذلك على العباد، ليجتهد كل واحد في اجتناب ما نهي عنه، رجاء أن يكون مجتنبا للكبائر، ونظيره إخفاء الصلاة الوسطى في الصلوات، وليلة القدر في رمضان" ([16]).
وقال صاحب تهذيب الفروق ([17]): " فجميع ما ذكروه من الحدود والضوابط إنما قصدوا به التقريب فقط، وإلا فهي ليست بحدود جامعة، وكيف يمكن ضبط ما لا طمع في ضبطه بالحصر إذ لا يعرف ذلك إلا بالسمع ولم يرد".
ومن كثرة خلاف العلماء في تعريفها أفردها شيخ الإسلام ابن حجر العسقلاني بتأليف مستقل سماه "الشَّمْس المنيرة فِي تَعْرِيف الْكَبِيرَة"([18]).
وقطع القرافي ـ رحمه الله ـ بأن المنصوص عليه في الكتاب والسنة فهو كبيرة، وما أجمعت عليه الأمة فهو كذلك، ويلحق بها كل ما ساوى أدناها في المفسدة ومن باب أولى ما يزيد عليها، قال القرافي ([19]):" ما وردت السنة أو الكتاب العزيز بجعله كبيرة أو أجمعت عليه الأمة أو ثبت فيه حد من حدود الله تعالى، كقطع السرقة وجلد الشرب ونحوهما، فإنها كلها كبائر قادحة في العدالة إجماعا وكذلك ما فيه وعيد صرح به في الكتاب أو في السنة فنجعله أصلا وننظر، فما ساوى أدناه مفسدة، أو رجح عليها مما ليس فيه نص ألحقناه به، ورددنا به الشهادة، وأثبتنا به الفسوق، والجرح، وما وجدناه قاصرا عن أدنى رتب الكبائر التي شهدت لها الأصول جعلناه صغيرة لا تقدح في العدالة، ولا توجب فسوقا إلا أن يصر عليه فيكون كبيرة إن وصل بالإصرار إلى تلك الغاية فإنه لا صغيرة مع إصرار. ولا كبيرة مع استغفار كما قاله السلف".
والكلام حول تعريف الكبيرة كثير، ولهم في مناقشة التعاريف صولات وجولات علمية تحتاج إلى بحث كبير مستقل، وهو ليس من مقصود بحثنا؛ ولذا فإننا نكتفي بما ذكرنا.
ـــــ التعريف المختار للكبيرة:
لعل أقرب الأقوال إلى الصواب في تعريف الكبيرة: هو قول ابن عباس رضي الله عنهما أنها: "كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب"([20])، وممن قال بهذا القول أيضاً: سعيد بن جبير([21])، ومجاهد([22]) والحسن([23])، والضحاك([24])، ([25]). ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية، وقال عنه إنه: "أَمْثَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ"([26]).
ويمكن أن يضاف إليه: "....أو ترتب عليه حد أو نص عليه الكتاب أو السنة أو أجمعت الأمة على أنه كبيرة".
فيكون التعريف المختار: " كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب أو ترتب عليه حد في الدنيا أو نص على أنه كبيرة الكتاب أو السنة أو إجماع الأمة ".
وقد نقل ما يقرب من هذا التعريف ابن حجر عن القرطبي([27]) واستحسنه، قال ابن حجر ([28]): " وَمِنْ أَحْسَنِ التَّعَارِيفِ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ فِي الْمُفْهِمِ: كُلُّ ذَنْبٍ أُطْلِقَ عَلَيْهِ بِنَصِّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ أَوْ عَظِيمٌ أَوْ أُخْبِرَ فِيهِ بِشِدَّةِ الْعِقَابِ أَوْ عُلِّقَ عَلَيْهِ الْحَدُّ أَوْ شُدِّدَ النَّكِيرُ عَلَيْهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ"
ثانيا: تعريف الكبائر بالعدّ.
ضبط بعض العلماء الكبائر بالعد (يعني بذكر عددها بأسمائها كما جاءت في الكتاب والسنة، أو على معنى الكبيرة عند من عدها باجتهاده) لكنهم مع هذا اختلفوا في عدها، كما اختلفوا في أعدادها المذكورة في الكتاب والسنة، هل هي للحصر أو أنها للتمثيل؟ فذهب أكثرهم إلى أن ما ورد منها بعدد معين ليس المراد منه الحصر (أي لا مفهوم مخالفة له)، قال صاحب تهذيب الفروق ([29]): " واختلفوا هل لا تنضبط إلا بالعد فعن ابن مسعود أنها ثلاث.
وعنه أيضا أنها أربع وممن صرح بأنها سبع علي ـ كرم الله تعالى وجهه([30]) ـ وعطاء وعبيد بن عمير وعن ابن مسعود أيضا أنها عشرة وقيل: أربع عشرة وقيل خمس عشرة وعن ابن عباس وجماعة أنها ما ذكره الله تعالى في أول سورة النساء إلى قوله {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه} [النساء: 31] وعن ابن عباس أيضا كما رواه عبد الرزاق والطبراني: (هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع) وقال أكبر تلامذته سعيد بن جبير - رضي الله تعالى عنهما -: (هي إلى السبعمائة أقرب) يعني باعتبار أصناف أنواعها وروى الطبراني هذه المقالة عن سعيد عن ابن عباس نفسه أن رجلا قال لابن عباس: (كم الكبائر سبع هي. قال: هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى سبع) غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار أي التوبة بشروطها ولا صغيرة مع الإصرار وقال الديلمي من الشافعية: (قد ذكرنا عددها في تأليف لنا باجتهادنا فزادت على أربعين كبيرة فيئول إلى ما قاله ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما)"
ويمكن حصر أقوال العلماء في عدِّها على النحو التالي:
1 - أنها ثلاث: روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه ([31]).
2 - أنها أربع: روي أيضا عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: الكبائر أربع: اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والأمن من مكر الله، والشرك بالله، دل عليها القرآن ([32])، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين وقتل النفس، واليمين الغموس ([33])، وعن أنس رضي الله عنه، ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر، أو سئل عن الكبائر فقال: الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين، فقال: ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قال: قول الزور، أو شهادة الزور ([34]).
وأشار ابن حجر الهيتمي إلى ضبط بعضهم الكبائر بأنها كل فعل نص الكتاب على تحريمه (أي بصريح التحريم) وهو أربعة أشياء: "أكل لحم الميتة، والخنزير، ومال اليتيم، والفرار من الزحف" ([35]).
3 - أنها سبع: واستدلوا بما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات ([36]).
قال ابن حجر الهيتمي: "وممن صرح بأن الكبائر سبع: علي رضي الله عنه، وعطاء، وعبيد بن عمير" ([37]).
4 - أنها ثمان: وذلك بزيادة (عقوق الوالدين) على السبع الموبقات التي في حديث أبي هريرة.
وقد وفق بعض الشراح بين عد الكبائر سبعا، وعدها ثمانيا، باعتبار أكل الربا وأكل مال اليتيم كبيرة واحدة، بجامع الظلم ([38])، ولا شك أن هذا نوع من التكلف؛ لأن الظلم للغير موجود في بعض الكبائر الأخرى المذكورة في الحديثين كقتل النفس وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وما من ذنب إلا وفيه ظلم إما للنفس وإما للغير وإما لهما معا.
5 - أنها تسع: أشار إلى هذا الزركشي ([39]) لحديث: "الكبائر تسع..." وزاد على حديث أبي هريرة السابق: "الإلحاد في الحرم، وعقوق الوالدين" ([40]).
6 ــــــ أنها عشر: روي ذلك عن ابن مسعود([41]).
7 – أنها أربع عشرة: ذكره ابن حجر الهيتمي وغيره([42]).
8 - أنها خمس عشرة: ذكره ابن حجر الهيتمي وغيره([43]).
9 – أنها سبع عشرة: نقل القول بذلك الشيخ عليش وغيره ([44]).
10 – أنها سبعون: قال الزركشي: "أنهاها الذهبي إلى سبعين في جزء صنفه في الكبائر"([45]).
11 – أنها أربعمائة وسبع وستون: أنهى ابن حجر الهيتمي الكبائر إلى هذا العدد، منها ست وستون كبائر باطنة مما ليس له مناسبة بخصوص أبواب الفقه، أي تتعلق بأعمال القلوب، والباقي كبائر ظاهرة تتعلق بالجوارح ([46]).
12 – أنها سبعمائة: روي ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنه، أخرج الطبراني عنه أنه قيل له: "الكبائر سبع؟ فقال: "هي إلى السبعين أقرب"، وفي رواية: "إلى السبعمائة" قال الحافظ ابن حجر: "ويحمل كلامه على المبالغة بالنسبة لمن اقتصر على السبع" ([47]).
الراجح:
بعد عرض الأقوال في تعريف الكبائر بالعد، وعرفنا شيئا مما استندوا إليه تبين لنا: أن ما ذُكر عدده في الأحاديث ليس للحصر، وقد أجاب العلماء على الاقتصار في بعض الأحاديث على ذكر عدد معين كسبع مثلا، وذلك بأجوبة عديدة، منها([48]):
- أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعلم بالكبائر المذكورات أولا، ثم أعلم بما زاد، فيجب الأخذ بالزائد.
- أن الاقتصار وقع بحسب المقام، بالنسبة للسائل أو من وقعت له واقعة، فذكر ما يناسب السائل أو صاحب الواقعة وترك الباقي لعدم السؤال عنه أو لعدم تعلقه بالواقعة([49]).
والدليل على هذا أن الأحاديث وردت مختلفة في عدها، وعليه اختلف من حصرها في العدد المنصوص الذي ورد في النص الراجح عنده، ولم يثبت أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حدها في عدد معين لا يزاد عليه ولا ينقص منه؛ لذا وجب التسليم بكل ما وردت به النصوص دون حصر، ومن حصرها اجتهد في ذلك سندا ومتنا ومعنى.
قال الزركشي ([50]): " وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَنْحَصِرُ، إذْ لَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ إلَّا مِنْ السَّمْعِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ حَصْرُهَا"
وقال ابن حجر ([51]): " وَيُحْتَاجُ عِنْدَ هَذَا إِلَى الْجَوَابِ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى سَبْعٍ، وَيُجَابُ: بِأَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهُوَ جَوَابٌ ضَعِيفٌ، وَبِأَنَّهُ أَعْلَمَ أَوَّلًا بِالْمَذْكُورَاتِ ثُمَّ أَعْلَمَ بِمَا زَادَ، فَيَجِبُ الْأَخْذُ بِالزَّائِدِ، أَوْ أَنَّ الِاقْتِصَارَ وَقَعَ بِحَسَبِ الْمَقَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّائِلِ، أَوْ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَاقِعَةٌ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقد أخرج الطَّبَرِيّ وَإِسْمَاعِيل القَاضِي عَن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: "الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ فَقَالَ: هُنَّ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعٍ وَسَبْعٍ" وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: "هِيَ إِلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ" وَفِي رِوَايَةٍ:" إِلَى السَّبْعِمِائَةِ" وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَبْعٍ، وَكَأَنَّ الْمُقْتَصِرَ عَلَيْهَا اعْتَمَدَ عَلَى حَدِيثِ الْبَابِ الْمَذْكُورِ"
وقال المناوي في شرح حديث (اجتنبوا السبع الموبقات....) ([52]): "ولا ينافيه عدها في أحاديث أكثر لأنه أخبر في كل مجلس بما أوحى إليه، أو ألهم، أو سنح له باعتبار أحوال السائل، أو تفاوت الأوقات، أو لزيادة فحشها وفظاظة قبحها، أو لأن مفهوم العدد غير حجة، أو لغير ذلك"
هذا فضلا على أن القول بحدها بالعدد محل اجتهاد ـ كما ذكرنا ـ والتعريف بالحد كذلك فتكون حقيقة التعريف بالعدّ راجعة في حقيقتها إلى القول الأول (وهو التعريف بالحد)؛ لأن من حدها بالعدد، منهم من توقف عند المنصوص ومنهم من اجتهد فزاد على غير المنصوص.
أما من اقتصر على المنصوص فقد سبق بيان مأخذه والرد عليه.
وأما من تجاوز المنصوص بالإلحاق بالقياس، أو الضابط المعرف لها، فقد رجع قوله إلى من عرفها بالحد لا بالعد؛ لأن عده ينتهي بما يدخل تحت ما حدها به، وهذا محل اجتهاد.
وقد سبق التعريف المختار للكبيرة، علما بأنه قد يتفق العلماء على قاعدة أو تعريف لكنهم يختلفون عند تطبيقه، وهذا أمر غير منكور عند أهل العلم([53]).
ـــــ تعريف الصغائر:
لغة: جمع صغيرة، من صغر الشيء فهو صغير وجمعه صغار، والصغيرة صفة وجمعها صغار أيضا، ولا تجمع على صغائر إلا في الذنوب والآثام([54]).
واصطلاحا: اختلفت عبارات العلماء في تعريف الصغيرة وإن اتفق الأكثر على مضمونها، فقال بعضهم: الصغيرة ما ليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة([55]) بمقابلة تعريف البعض للكبيرة كما سبق.
وقال ابن تيمية رحمه الله: "أقل الأقوال([56]) في هذه المسألة القول المأثور عن ابن عباس، وذكره أبو عبيد، وأحمد بن حنبل وغيرهما وهو: أن الصغيرة ما دون الحدين حد الدنيا وحد الآخرة، وهو معنى قول من قال: ما ليس فيها حد في الدنيا وهو معنى قول القائل: كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو نار فهو من الكبائر، ومعنى قول القائل: وليس فيها حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة"([57]).
وقال ابن النجار ـ رحمه الله ـ: "والصغائر هي: كل قول أو فعل محرم لا حد فيه في الدنيا ولا وعيد في الآخرة"([58]).
وبما ذكرناه من أدلة ومناقشات في تعريف الكبيرة يتبين لنا أن ما لم يدخل تحت حد تعريفنا المختار من الذنوب والآثام يكون صغيرة.
وما ذكرناه من تعريف الكبيرة والصغيرة ينبني أصلا على تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر، وهذا محل خلاف بين أهل العلم، وهو ما سنتكلم عنه في.... الآتي.
ـــــ تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر:
ذهب جمهور العلماء إلى تقسيم المعاصي إلى صغائر وكبائر، بل إن الصغائر والكبائر تتفاوت مراتبها في ذاتها، فهناك كبائر، وهناك أكبر الكبائر، وهناك صغيرة أدنى من صغيرة أخرى وهكذا بحسب تفاوت مفاسدها، قال ابن حجر ([59]): " ثُمَّ إِنَّ مَرَاتِبَ كُلٍّ مِنَ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ مُخْتَلِفٌ بِحَسَبِ تَفَاوُتِ مَفَاسِدِهَا".
وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على ذلك حيث قال: "والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار"([60]).
وقال الإمام النووي ([61]): "...وذهب الجماهير من السلف، والخلف من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب والسنة واستعمال سلف الأمة وخلفها".
أدلة القول الأول أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر:
أولا: أدلة الكتاب.
1 ــــــ قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم}.
وجه الدلالة: تدل هذه الآية بمقتضى المقابلة أن من الذنوب صغائر وكبائر، وأن اجتناب الكبائر مكفر للصغائر التي سميت في الآية سيئات، ولا شك في أن تسميتها بذلك يعطيها وصف الذنب وحقيقته، فتكفر السيئات المشروط باجتناب كبائر ما نُهُو عنه يقتضي أنها ليست من الكبائر، وقد سماها الله تعالى سيئات، فهي ذنوب وليست بكبائر قطعاً.
قال صاحب تهذيب الفروق عقب هذه الآية ([62]): " فيها صراحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر"
وقد ورد هذا التفسير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما ذكره السيوطي إذ يقول ([63]): " أخرج النسائي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن خزيمة، وابن حبان، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جلس على المنبر ثم قال: (والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس، ويصوم رمضان، ويؤدي الزكاة، ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يوم القيامة حتى أنها لتصطفق([64])، ثم تلا: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا).
فهذا تفسير منه -صلى الله عليه وسلم- للآية الكريمة وتبيين للمراد منها من أن من الذنوب صغائر يكفرها الله تعالى باجتناب الكبائر وليس بعد تفسير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفسير، ولا بعد قوله قول لقائل."
وقال القرطبي: "لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، دل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء" ([65]).
وقال الإمام الشوكاني في الآية: "أي إن تجتبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها نكفر عنكم سيئاتكم أي ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات"([66]).
2 ـــــ قوله تعالى في مدح المؤمنين الأتقياء: {الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم}.
وجه الدلالة: تدل هذه الآية بمقتضى بيان قوله: {وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} في الآية قبلها على أن المحسنين بأعمالهم من المكلفين هم (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ) فاستثناء اللمم من كبائر الإثم والفواحش يدل بمقتضى قاعدة الاستثناء -وهي أنه يخرج من سابقه ما لولاه لدخل فيه- على أن اللمم ليس من كبائر الإثم والفواحش، فهو من الصغائر، وقد جاء تفسيره بذلك عن ابن عباس فيما رواه البخاري وقد أوردناه فيما سبق.
وقد نبه الله تعالى في هذه الآية الكريمة بقوله: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ) على أن إخراج اللمم واستثناءه من حكم المؤاخذة ليس لخلوه من الذنب فِي نفسه بل لسعة المغفرة الربانية وفي عطف الفواحش هنا على كبائر الإثم ما في نظيره في آية الشورى، وقد سبق.
على أن العلماء اختلفوا في المقصود باللمم على قولين مشهورين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فأما اللمم فقد روي عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيراً: قال البغوي([67]): هذا قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس. والجمهور على أن اللمم ما دون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس، كما في (صحيح البخاري)([68]) من حديث طاووس عنه قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه))" إلى أن قال رحمه الله: " والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة وعبد الله بن مسعود، وابن عباس ومسروق والشعبي، ولا ينافي هذا قول أبي هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى: ((إنه يلم بالكبيرة ثم لا يعود إليها)) فإن (اللمم) إما أنه يتناول هذا وهذا ويكون على وجهين، كما قال الكلبي، أو أن أبا هريرة وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة - ولم يصر عليها، بل حصلت منه فلتة في عمره - باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مراراً عديدة، وهذا من فقه الصحابة - رضي الله عنهم – وغور([69]) علومهم، ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، وإنما يخاف العنت على من اتخذ الذنوب عادته، وتكرر منه مراراً عديدة"([70]).
3ــــ قوله عز وجل: [وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا] (الكهف: 49)، وقوله تعالى: [وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ] (القمر: 53)([71]).
4 ـــــ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (الحجرات: 7).
وجه الدلالة: جَعَلَ الْفُسُوقَ وَهُوَ الْكَبَائِرُ تَلِي رُتْبَةَ الْكُفْرِ، وَجَعَلَ الصَّغَائِرَ (العصيان) تَلِي رُتْبَةَ الْكَبِيرَةِ([72]).
قال الرازي ([73]): " وَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْمَنْهِيَّاتِ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ، وَثَانِيهَا: الْفُسُوقُ. وَثَالِثُهَا: الْعِصْيَانُ، فَلَا بُدَّ مِنْ فَرْقٍ بَيْنَ الْفُسُوقِ وَبَيْنَ الْعِصْيَانِ لِيَصِحَّ العطف، وما ذلك إِلَّا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْفَرْقِ بَيْنَ الصَّغَائِرِ وَبَيْنَ الْكَبَائِرِ، فَالْكَبَائِرُ هِيَ الْفُسُوقُ، وَالصَّغَائِرُ هِيَ الْعِصْيَانُ"
ثانيا: الأدلة من السنة.
1 ـــــ ما جاء عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أن بعض أعمال البر والصلاة تكفر الذنوب ما اجتنبت الكبائر، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر" ([74]).
قال النووي: "وتنقسم -أي المعاصي- باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وإلى ما لا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح ما لم يغش كبيرة فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر ومالا تكفره كبائر" ([75]).
ومما جاء عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في معنى هذا الحديث قوله ـ صلى الله عليه وسلم: "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله"([76]).
2 ـــــ الأحاديث التي خص فيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكبائر وأكبر الكبائر بالذكر([77])، ومنها: قوله ـ صلى الله عليه وسلم: " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر..."، وغير ذلك من الأحاديث.
قال ابن حجر الهيتمي بعد سرد مجموعة من هذه الأحاديث ([78]): " فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك"
3 ــــ أن بعض الأحاديث ذكر فيها عدد من الذنوب سماها النبي -صلى الله عليه وسلم- كبائر جواباً عن سؤال سائل من أصحابه الكرام ـ رضي الله عنهم.
ومنها ما رواه البخاري ومسلم -واللفظ للبخاري- عن أنس ابن مالك - رضي الله عنه - قال: " سئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن الكبائر فقال: " الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس وشهادة الزور ".
4 ـــــ ورد عن الصحابة والتابعين آثار كثيرة تفوق الحصر، ومن أمثلة ما ورد عنهم في ذلك:
عن أنس - رضي الله عنه - قال: " لم نر مثل الذي بلغنا عن ربنا - عز وجل - ثم لم نخرج له عن كل أهل ومال أن تجاوز لنا عما دون الكبائر، فما لنا ولها، يقول الله: "إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا". وذكره ابن كثير -في تفسيره- مرفوعاً عند البزار.
وعن أنس أيضا قال: " ما لكم والكبائر وقد وعدتم المغفرة فيما دون الكبائر"
وعن علي - رضي الله عنه - قال: " الكبائر الإشراك بالله، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، والفرار من الزحف، والتعرب بعد الهجرة، والسحر، وعقوق الوالدين، وأكل الربا، وفراق الجماعة، ونكث الصفقة "
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: " الكبائر الإشراك بالله، والقنوط من رحمة الله، والإياس من روح الله، والأمن من مكر الله ".
5 ـــ أن الذنوب تتفاوت مفاسدها، وإذا تفاوتت مفاسدها تفاوتت مراتبها؛ فيكون منها صغائر وكبائر، قال الطوفي ([79]): " وَإِنَّمَا انْقَسَمَتِ الْأَفْعَالُ إِلَى صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ بِاعْتِبَارِ اشْتِمَالِهَا عَلَى مَفَاسِدَ صَغَائِرَ وَكَبَائِرَ"
ــــ القول الثاني وأدلته.
ذهب بعض الأشاعرة إلى إنكار تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وقالوا: إن سائر المعاصي كبائر، ومنهم أبو إسحاق الإسفرائيني، والباقلاني، وإمام الحرمين وأبي نصر عبد الرحيم القشيري والتقي السبكي، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة واختاره في (تفسيره) ([80])، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية، وحكاه القاضي عياض عن المحققين([81]) ونسب هذا القول إلى الخوارج القاضي عبد الجبار([82]).
قال ابن حجر ([83]): " قُلْتُ: قَدْ حَقَّقَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمَنْقُولَ عَنِ الْأَشَاعِرَةِ وَاخْتَارَهُ وَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ فَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ: الْمَرْضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ يُعْصَى اللَّهُ بِهِ كَبِيرَةٌ فَرُبَّ شَيْءٍ يُعَدُّ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ إِلَى الْأَقْرَانِ وَلَوْ كَانَ فِي حَقِّ الْمَلِكِ لَكَانَ كَبِيرَةً وَالرَّبُّ أَعْظَمُ مَنْ عُصِيَ فَكُلُّ ذَنْب بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَتِهِ عَظِيمٌ وَلَكِنَّ الذُّنُوبَ وَإِنْ عَظُمَتْ فَهِيَ مُتَفَاوِتَةٌ فِي رُتَبِهَا وَظَنَّ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ الْخِلَافَ لَفْظِيٌّ فَقَالَ التَّحْقِيقُ أَنَّ لِلْكَبِيرَةِ اعْتِبَارَيْنِ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مُقَايَسَةِ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَهِيَ تَخْتَلِفُ قَطْعًا وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآمِرِ النَّاهِيِ فَكُلُّهَا كَبَائِرُ اه وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْخِلَافَ مَعْنَوِيٌّ وَإِنَّمَا جَرَى إِلَيْهِ الْأَخْذُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْحَدِيثُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ الصَّغَائِرَ تُكَفَّرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ"
ـــــ أدلة هذا الرأي:
ممن بين أدلة أصحاب هذا القول بأخصر ما يمكن وأوفاه ابن بطال حيث قال: "انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر.
قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة، غير الكفر لقوله تعالى: [إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء] (النساء: 48), وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى: [إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا] (النساء: 31)، أن المراد الشرك وقد قال الفراء: من قرأ كبائر فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: [كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ] (الشعراء: 105) ولم يرسل إليهم غير نوح، قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة لجوازه على الكبيرة ([84]) واستدلوا أيضاً بقول ابن عباس: (كل ما نهى الله عنه كبيرة) ([85]) ".
وقد نظر أصحاب هذا القول إلى جلال الله وعظمته سبحانه فمنعهم ذلك من تسمية أي معصية لله تعالى باسم "صغيرة" فهي كلها بالنسبة إلى عظم المخالف كبيرة من الكبائر، وإن اتفقوا على أن منها ما يوجب العقوبة والذم أكثر من غيره، فالخلاف لفظي في جواز التسمية لا في المعنى، والجمهور على إطلاق الصغيرة والكبيرة اصطلاحياً كما سبق أن نقلنا عن العلماء.
يقول صاحب "تهذيب الفروق": "اختلفوا أولاً في أن إطلاق لفظ صغيرة على معصية الله تعالى هل يمنع إجلالا له وتعظيماً لحدوده إلا في محل تبيين تفاوت الذم والعقاب إن نفذ الوعيد، أو يجوز مطلقا) ([86]).
وقال الزركشي ([87]): " وَلَعَلَّ أَصْحَابَ هَذَا الْوَجْهِ كَرِهُوا تَسْمِيَةَ مَعْصِيَةِ اللَّهِ صَغِيرَةً؛ إجْلَالًا لِلَّهِ وَتَعْظِيمًا لِأَمْرِهِ، مَعَ أَنَّهُمْ وَافَقُوا فِي الْجَرْحِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ بِمُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ"
وحجتهم في هذا ما روي عن ابن عباس من أن جميع المعاصي كبائر بالنسبة إلى أنها معصية لله لوجهين: أَحَدُهُمَا: كَثْرَةُ نِعَمِ مَنْ عَصَى. وَالثَّانِي: إِجْلَالُ مَنْ عَصَى، فَإِنِ اعْتَبَرْنَا الْأَوَّلَ فَنِعَمُ اللَّه غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، كَمَا قَالَ: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [النحل: 18] وَإِنِ اعْتَبَرْنَا الثَّانِي فَهُوَ أَجَلُّ الْمَوْجُودَاتِ وَأَعْظَمُهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ عِصْيَانُهُ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ، فَثَبَتَ أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ فَهُوَ كَبِيرَةٌ([88]).
ــــ جواب الجمهور على هذه الاستدلالات:
1 - من قال: إنها سميت كبائر بالنسبة لما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر([89]). وقد دلت النصوص الصريحة على التقسيم السابق.
وعورض ما روي عن ابن عباس في ذلك: بأنه ـ سبحانه وتعالى ـ أرحم الراحمين وأغنى الأغنياء عن طاعات المطيعين، وكل ذلك يوجب خفة الذنب وإن سلم أن الذنوب كلها كبائر من حيث إنها ذنوب ولكن بعضها أكبر من بعض وذلك يوجب التفاوت([90]).
2 - أما قولهم: لا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبير، غير الشرك، وتأويلهم قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: 31] أن المراد الشرك لقراءة (كبير) فيقال لهم: وماذا عن قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتنبت الكبائر" ([91])، "ما لم تغش الكبائر" ([92]).
وماذا يجاب عن النصوص الصريحة في التفريق بين الصغائر والكبائر مثل قوله عز وجل: [وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا] (الكهف: 49).
3 - أما استدلالهم بقول ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ (كل ما نهى الله عنه كبيرة) فيجاب عنه بأنه قد ورد أيضاً عن ابن عباس أنه قال: (كل ما توعد الله عليه بالنار كبيرة)([93])، فالأولى أن يكون المراد بقوله: (نهى الله عنه) محمولاً على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد، فيحمل مطلق كلامه ـ رضي الله عنه ـ على مقيده جمعاً بين قوليه ([94]).
وقال البيهقي في تعليقه على رواية ابن عباس (كل ما نهى الله عنه كبيرة): "فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلابد منه في أحكام الدنيا والآخرة"([95]).
وطعن القرطبي في الرواية من جهة المتن. فقال: "ما أظنه يصح عن ابن عباس: (أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة)؛ لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر" ثم ذكر الآيات الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، إلى أن قال: "فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن؟"([96]).
الراجح:

وبعد ذكر هذا الخلاف المشهور في تقسيم الذنوب والمعاصي، وذكر أدلة كل من الفريقين تبين لنا أن تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر هو الموافق لأدلة الكتاب والسنة، التي ذكرنا طرفا منها آنفا، كما أنه الأوفق لقواعد الشريعة وأصولها العقدية والفقهية العامة التي دلتنا على تفاوت أهل الجنة في الدرجات، وأهل النار في الدركات، كما أن المعاصي التي في حق الله وحق العباد عقوباتها الدنيوية متفاوته في شدتها وخفتها وانعدامها أحيانا، إذ ليس كل ذنب يترتب عليه حد أو تعزير، وليس كل ذنب يترتب عليه حد يساويه الذنب الآخر الذي يترتب عليه حد أيضا، فحد الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف وغيرها تختلف في قدرها ونوعها.
وهذا كله يدل على التفريق بين الذنوب من حيث كونها كبائر وصغائر، هذا فضلا عن النصوص المصرحة بسرد بعض الكبائر بأسمائها مما يدل على هذا التفريق، وقد مضى ذكر هذه النصوص.
فلا يمكننا العدول عن هذه النصوص الصريحة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وأقوال السلف في التفرقة بين الذنوب بجعل بعضها صغائر وبعضها كبائر وتأويلها بالتعسف إلى ما يفيد أنه لا صغيرة من الذنوب؛ إذ الأخذ بصريح الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الصحيحة وآثار جمهور الصحابة والتابعين الدالة على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر خير من تأويلها بما ينبو عنه ظاهرها وأسلم من ثنيها عن دلالتها([97]).
بل اعتبر الحافظ ابن حجر القول الذي لم يفرق بين الصغائر والكبائر شاذاً حيث قال: "وقد اختلف السلف، فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر وصغائر، وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني فقال: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة"([98]).
وقال الإمام الغزالي: "إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه"([99]).
ـــــ خطر القول بأن جميع الذنوب كبائر:
مهما بلغ المرء منا من التقى والذل لله تعالى والخشوع له والانقطاع لعبادته تعالى، فلن يستطع التنزه من لمم الذنوب، وهناتها فلو أجزنا القول بأن جميع معاصي الله تعالى كبائر لحكمنا على جميع المؤمنين باقتراف الكبائر، واستباحة حمى الله تعالى، وانتهاك محارمه فضلاً عن تركنا صريح النصوص سيراً مع تأويلات لا يعضدها دليل([100]).
القول الثالث: أن الذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر وفواحش.
ذَهَبَ الْحليمي من الشافعية إلى أنَّ الْمَعَاصِي تَنْقَسِمُ إِلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
صَغِيرَةٌ، وَكَبِيرَةٌ، وَفَاحِشَةٌ؛ فَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَبِيرَةٌ، فَإِنْ قَتَلَ ذَا رَحِمٍ لَهُ فَفَاحِشَةٌ، فَأَمَّا الْخَدْشَةُ وَالضَّرْبَةُ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ فَصَغِيرَةٌ وَجَعَلَ سَائِرَ الذُّنُوبِ هَكَذَا([101]).
ويرى الحليمي أيضا أن الصغيرة قد تنقلب كبيرة أو فاحشة بحسب ما يقترن بها من حال، قال ابن حجر ([102]): " وَقَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي الْمِنْهَاجِ: مَا مِنْ ذَنْبٍ إِلَّا وَفِيهِ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ وَقَدْ تَنْقَلِبُ الصَّغِيرَةُ كَبِيرَةً بِقَرِينَةٍ تُضَمُّ إِلَيْهَا وَتَنْقَلِبُ الْكَبِيرَةُ فَاحِشَةً كَذَلِكَ إِلَّا الْكُفْرَ بِاللَّهِ فَإِنَّهُ أَفْحَشُ الْكَبَائِرِ، وَلَيْسَ مِنْ نَوْعِهِ صَغِيرَةٌ، قُلْتُ: وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ يَنْقَسِمُ إِلَى فَاحِشٍ وَأَفْحَشَ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْحَلِيمِيُّ أَمْثِلَةً لِمَا قَالَ: فَالثَّانِي كَقَتْلِ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ كَبِيرَةٌ فَإِنْ قَتَلَ أَصْلًا أَوْ فَرْعًا أَوْ ذَا رَحِمٍ أَوْ بِالْحَرَمِ أَوْ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَالزِّنَا كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ بِحَلِيلَةِ الْجَارِ أَوْ بِذَاتِ رَحِمٍ أَوْ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ أَوْ فِي الْحَرَمِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَشُرْبُ الْخَمْرِ كَبِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ نَهَارًا أَوْ فِي الْحَرَمِ أَوْ جَاهَرَ بِهِ فَهُوَ فَاحِشَةٌ، وَالْأَوَّلُ كَالْمُفَاخَذَةِ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ صَغِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ مَعَ امْرَأَةِ الْأَبِ أَوْ حَلِيلَةِ الِابْنِ أَوْ ذَاتِ رَحِمٍ فَكَبِيرَةٌ، وَسَرِقَةُ مَا دُونَ النِّصَابِ صَغِيرَةٌ فَإِنْ كَانَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَفْضَى بِهِ عَدَمُهُ إِلَى الضَّعْفِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ.
وَأَطَالَ فِي أَمْثِلَةِ ذَلِكَ وَفِي الْكَثِيرِ مِنْهُ مَا يُتَعَقَّبُ لَكِنَّ هَذَا عُنْوَانُهُ وَهُوَ مَنْهَجٌ حَسَنٌ لَا بَأْسَ بِاعْتِبَارِهِ وَمَدَارُهُ عَلَى شِدَّةِ الْمَفْسَدَةِ وَخِفَّتِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ".
وهذا الذي نقله ابن حجر عن الحليمي يوافق النصوص والقواعد والأصول؛ وذلك أن الذنوب الكبيرة تتفاوت في كبرها، كما أن الصغيرة تتفاوت فيما بينها، وقد ذكرنا النصوص التي تدل على وجود كبائر وأكبر الكبائر، وغير ذلك.
ـــــ تحول الصغيرة إلى كبيرة بالإصرار:
ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الإصرار على الصغيرة كبيرة، واشتهر هذا عن السلف، والمقصود بذلك عند من قال به ليس هو تحول الصغيرة في ذاتها إلى كبيرة، ولكن المقصود أن الإصرار نفسه كبيرة؛ لأنه يدل على استخفاف صاحبها بها، والاستخفاف بالمعاصي كبيرة وإن كان في الصغائر، أو بمعنى آخر نقول: اعتبار الإصرار على الصغيرة كبيرة هو من باب الإلحاق كما قال الرملي، فهو لا يصير الصغيرة كبيرة حقيقة، وإنما يلحقها بها في الحكم، وبعبارة بعض الحنفية من شراح المنار: " الإصرار على الصغيرة هو كبيرة لغيرها، أما الكبيرة بالضابط الأصلي فهي كبيرة بنفسها" ([103]).
قال القرافي: "الصغيرة لا تقدح في العدالة ولا توجب فسوقا، إلا أن يصر عليها فتكون كبيرة... فإنه لا صغيرة مع إصرار، ولا كبيرة مع استغفار كما قال السلف... ويعنون بالاستغفار التوبة بشروطها، لا طلب المغفرة مع بقاء العزم، فإن ذلك لا يزيل كبر الكبيرة ألبتة" ([104]).
وأورد الزركشي وهو يعد الكبائر: "....إدمان الصغيرة" ([105]).
وخالف في هذا بعض الفقهاء، كأبي طالب القضاعي فِي كِتَابِ "تَحْرِيرِ الْمَقَالِ فِي مُوَازَنَةِ الْأَعْمَالِ"، حيث نقل عنه الزركشي أن الإصرار له حكم ما أصر به عليه فالإصرار على الصغيرة صغيرة ([106]).
ـــــ حقيقة التكرار الذي يوصل إلى حد الإصرار.
حقيقة التكرار المشترط في تحقق الإصرار يمكن أن يعرف من تقسيم بعض العلماء (كالزركشي) الإصرار إلى قسمين:
أحدهما: حكمي، وهو العزم على فعل الصغيرة بعد الفراغ منها، فهذا حكمه حكم من كررها فعلا، بخلاف التائب منها، فلو ذهل عن ذلك ولم يعزم على شيء فهذا هو الذي تكفره الأعمال الصالحة.

والثاني: الإصرار بالفعل، وعبر عنه بعضهم بالمداومة أو الإدمان، وعن بعض الشافعية قال: لا أجعل المقيم على الصغيرة المعفو عنها مرتكبا للكبيرة إلا أن يكون مقيما على المعصية المخالفة أمر الله دائما ([107])، ونحوه في المغني لابن قدامة ([108]).

وحقيقة التكرار بالفعل الذي يكون به المكلف مصرا كما جاء في حواشي شرح المنار: "أن الإصرار تكرار الفعل تكررا يشعر بقلة المبالاة بأمر الدين"، وقال أمير بادشاه: "الإصرار أن تتكرر منه الصغيرة تكرارا يشعر بقلة مبالاته بأمر دينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك"([109]).
لكنهم اختلفوا في الصغيرة التي يكون الإصرار عليها كبيرة، هل هي ما كان الإصرار فيها على أنواع متعددة من الصغائر، أو أنه يستوي الإصرار على صغيرة واحدة مع الإصرار على صغائر من أنواع مختلفة، قال تقي الدين السبكي ([110]): " وأما الإصرار فقال ابن الرفعة: لم أظفر فيه بما يثلج الصدر وقد عبر عند بعضهم بالمداومة وحينئذ هل المعتبر المداومة على نوع واحد من الصغائر أم الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع قال الرافعي: منهم من يميل كلامه إلى الأول، ومنهم من يفهم كلامه الثاني، ويوافقه قول الجمهور: من تغلب معاصيه طاعته كان مردود الشهادة، قال: وإذا قلنا به تضر المداومة على نوع واحد من الصغائر إذا غلبت الطاعات، وعلى الأول تضر، قال ابن الرفعة: وقضية كلامه أن مداومة الوقوع تضر على الوجهين.
أما على الأول فظاهر.
وأما على الثاني؛ فلأنه في ضمن حكايته قال: إن الإكثار من النوع الواحد كالإكثار من الأنواع وحينئذ لا يحسن معه التفصيل، نعم يظهر أثرهما فيم إذا أتى بأنواع من الصغائر، إن قلنا بالأول لم تضر، وإن قلنا بالثاني ضر"

وقد ترك البعض في التعريف اشتراط إصراره على الصغائر؛ لأن الإصرار على الصغيرة كبيرة، فيدخل الإصرار على الصغائر في الكبائر([111]).
قال التقي السبكي ([112]): " هذا من محاسن الكلام لأن الصغيرة بالإصرار تصير كبيرة فلو ذكر الإصرار على الصغيرة لأطال وكرر من غير فائدة".
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


 ===========================================




[1] ـ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 4 / 276.
[2] ـ النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير 4 / 5، وتفسير القرطبي 5 / 161 و17 / 106.
[3] ـ "المحيط البرهاني" (8 / 312)؛ لابن مازة البخاري.
[4] ـ هو: محمد بن الحسين بن محمد بن الحسين البخاري، أبي بكر الحنفي، المعروف ببكر خُواهَر زَادَهْ - كلمة أعجميَّة، تعني: ابن أخت عالم - فقد كان ابن أخت القاضي أبي ثابت محمد بن أحمد البخاري، وقد توفي خواهر زاده سنة (483 هـ)، وهو المقصود بلقب (شيخ الإسلام) حيث أطلقوه في كتب الحنفية، قال ابن عابدين في رد المحتار: "حَيْثُ أَطْلَقُوهُ يَنْصَرِفُ إلَى بَكْرٍ الْمَشْهُورِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ" ا.هـ.
[5] ـ انظر: "فتح القدير" (7 / 412)؛ للكمال بن الهمام.
[6] ـ البحر المحيط في أصول الفقه للزركشي 4 / 276.
[7] ـ "جواهر العقود ومعين القضاة والموقعين والشهود" (2 / 349)؛ المؤلف: شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن عبد الخالق، المنهاجي الأسيوطي ثم القاهري الشافعي (المتوفى: 880هـ)، حققها وخرج أحاديثها: مسعد عبد الحميد محمد السعدني ـ الناشر: دار الكتب العلمية بيروت – لبنان ـ الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م
[8] ـ تبيين الحقائق للزيلعي 4 / 222، وفتح القدير لابن الهمام 6 / 38، وجواهر العقود للمنهاجي 2 / 436.
[9] ـ مطالب أولي النهى 6 / 612، وفتح الباري 10 / 150، والفروع لابن مفلح 6 / 564، والزاوجر للهيتمي 1 / 5 - 8.
[10] ـ "الكوكب المنير" (2 / 401)؛ لابن النجار. وممن اختاره
[11] ـ "الأشباه والنظائر" (ص 386)؛ للسيوطي. قال ابن حجر الهيتمي: "على أنك إذا تأملت كلام الإمام "الجويني" الأول ظهر لك أنه لم يجعل ذلك حدًّا للكبيرة، خلافاً لمن فهم منه ذلك، لأنه يشمل صغائر الخسّة، وليست كبائر، وإنما ضبطه به ما يبطل العدالة، لأن إمام الحرمين قال في آخر التعريف: "ورقة الديانة مبطلة للعدالة" ينظر: "الزواجر" 1/ 4".
[12] ـ "فتح الباري" (10 / 410 ، 411)؛ لابن حجر.
[13] ـ "البحر المحيط" (6 / 153)؛ للزركشي.
[14] ـ "الزواجر" (1 / 13).
[15] ـ "شرح صحيح مسلم للنووي" (2 / 85).
[16] ـ البحر المحيط 4 / 276.
[17] ـ "تهذيب الفروق" مع الفروق وحاشية ابن الشاط (1 / 134).
[18] ـ نسبه إليه عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ) في "نظم العقيان في أعيان الأعيان"، (ص 47) المحقق: فيليب حتي ـ الناشر: المكتبة العلمية – بيروت، وينظر: "كشف الظنون" (2 / 1062)؛ لحاجي خليفة.
[19] ـ "الفروق"؛ للقرافي، مع حاشية ابن الشاط وتهذيب الفروق (4 / 66 ، 67).
[20] ـ الطبري: التفسير (8/ 246)
[21] ـ سعيد بن جبير بن هشام الأسدي، أبو محمد الحافظ المقرئ المفسر من كبار التابعين قتله الحجاج سنة 95هـ (السير 4/ 321ـ 343 وتهذيب التهذيب: 4/ 11ـ 14)
[22] ـ مجاهد بن جبر ثقة إمام في التفسير والعلم صاحب ابن عباس (التقريب: 921)
[23] ـ الحسن هو البصري: ثقة فقيه فاضل مشهور. توفي 110هـ (تقريب: 236)
[24] ـ الضحاك هو ابن مزاحم الهلالي، صاحب التفسير، كان من أوعية العلم، ت: 102هـ (الذهبي: السير: 4/ 598، وابن كثير: البداية والنهاية: (9/ 223)
[25] ـ انظر: الطبري: التفسير (8/246) ط. دار المعارف، مصر، ت: محمود وأحمد شاكر.
[26] ـ انظر: مجموع الفتاوى (11/654ـ 656)، وقال في أدلة ترجيح هذا التعريف: " وَإِنَّمَا قُلْنَا: إنَّ هَذَا الضَّابِطَ أَوْلَى مِنْ سَائِرِ تِلْكَ الضَّوَابِطِ الْمَذْكُورَةِ لِوُجُوهِ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ الْمَأْثُورُ عَنْ السَّلَفِ بِخِلَافِ تِلْكَ الضَّوَابِطِ؛ فَإِنَّهَا لَا تُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ وَإِنَّمَا قَالَهَا بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَلَامِ أَوْ التَّصَوُّفِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ: إنَّهَا إلَى السَّبْعِينَ أَقْرَبُ مِنْهَا إلَى السَّبْعِ فَهَذَا لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ. وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَاحِدًا وَاحِدًا.
الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ قَالَ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا} فَقَدْ وَعَدَ مُجْتَنِبَ الْكَبَائِرِ بِتَكْفِيرِ السَّيِّئَاتِ وَاسْتِحْقَاقِ الْوَعْدِ الْكَرِيمِ. وَكُلُّ مَنْ وُعِدَ بِغَضَبِ اللَّهِ أَوْ لَعْنَتِهِ أَوْ نَارٍ أَوْ حِرْمَانِ جَنَّةٍ أَوْ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ خَارِجٌ عَنْ هَذَا الْوَعْدِ فَلَا يَكُونُ مِنْ مُجْتَنِبِي الْكَبَائِرِ. وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَحَقَّ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَمْ تَكُنْ سَيِّئَاتُهُ مُكَفَّرَةً عَنْهُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لَهُ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ عَلَيْهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ مَرْجِعُهُ إلَى مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي الذُّنُوبِ؛ فَهُوَ حَدٌّ يُتَلَقَّى مِنْ خِطَابِ الشَّارِعِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ لَيْسَ مُتَلَقًّى مِنْ كَلَامِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ؛ بَلْ هُوَ قَوْلُ رَأْيِ الْقَائِلِ وَذَوْقِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَالرَّأْيُ وَالذَّوْقُ بِدُونِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ لَا يَجُوزُ.
الرَّابِعُ: أَنَّ هَذَا الضَّابِطَ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِهِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ وَأَمَّا تِلْكَ الْأُمُورُ فَلَا يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِهَا بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ؛ لِأَنَّ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ مَا اتَّفَقَتْ فِيهِ الشَّرَائِعُ وَاخْتَلَفَتْ لَا يُعْلَمُ إنْ لَمْ يُمْكِنْ وُجُودُ عَالَمٍ بِتِلْكَ الشَّرَائِعِ عَلَى وَجْهِهَا وَهَذَا غَيْرُ مَعْلُومٍ لَنَا.
وَكَذَلِكَ " مَا يَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ " هُوَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ وَالْإِضَافِيَّةِ فَقَدْ يَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ عَنْ زَيْدٍ مَا لَا يَسُدُّ عَنْ عَمْرٍو وَلَيْسَ لِذَلِكَ حَدٌّ مَحْدُودٌ.
الْخَامِسُ: أَنَّ تِلْكَ الْأَقْوَالَ فَاسِدَةٌ. فَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَا اتَّفَقَتْ الشَّرَائِعُ عَلَى تَحْرِيمِهِ دُونَ مَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ. يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ الْحَبَّةُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ وَمِنْ السَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْكِذْبَةِ الْوَاحِدَةِ وَبَعْضِ الْإِسَاءَاتِ الْخَفِيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَبِيرَةٌ. وَأَنْ يَكُونَ الْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ إذْ الْجِهَادُ لَمْ يَجِبْ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ التَّزَوُّجُ بِالْمُحَرَّمَاتِ بِالرَّضَاعَةِ وَالصَّهْرِ وَغَيْرِهِمَا لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا لَمْ تَتَّفِقْ عَلَيْهِ الشَّرَائِعُ. وَكَذَلِكَ إمْسَاكُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَوَطْئِهَا بَعْدَ ذَلِكَ. مَعَ اعْتِقَادِ التَّحْرِيمِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مَا تَسُدُّ بَابَ الْمَعْرِفَةِ أَوْ ذَهَابَ النُّفُوسِ وَالْأَمْوَالِ؛ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْقَلِيلُ مِنْ الْغَضَبِ وَالْخِيَانَةِ كَبِيرَةً. وَأَنْ يَكُونَ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ الْكَبَائِرِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا سُمِّيَتْ كَبَائِرَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا دُونَهَا وَأَنَّ مَا عَصَى اللَّهَ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ أَنْ لَا تَكُونَ الذُّنُوبُ فِي نَفْسِهَا تَنْقَسِمُ إلَى كَبَائِرَ وَصَغَائِرَ. وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلَّا اللَّمَمَ} وَقَالَ: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} وَقَالَ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} وَقَالَ: {مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إلَّا أَحْصَاهَا} وَقَالَ: {وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ} وَالْأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ. وَمَنْ قَالَ: هِيَ سَبْعَةَ عَشَرَ فَهُوَ قَوْلٌ بِلَا دَلِيلٍ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا مُبْهَمَةٌ أَوْ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ. فَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ مَا تَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ قَدْ يُقَالُ: إنَّ فِيهِ تَقْصِيرًا إذْ الْوَعِيدُ قَدْ يَكُونُ بِالنَّارِ وَقَدْ يَكُونُ بِغَيْرِهَا وَقَدْ يُقَالُ: إنَّ كُلَّ وَعِيدٍ فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَلْزِمَ الْوَعِيدَ بِالنَّارِ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهَا كُلُّ ذَنْبٍ فِيهِ وَعِيدٌ فَهَذَا يَنْدَرِجُ فِيمَا ذَكَرَهُ السَّلَفُ؛ فَإِنَّ كُلَّ ذَنْبٍ فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا فَفِيهِ وَعِيدٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ فَإِنَّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةَ وَشُرْبَ الْخَمْرِ وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فِيهَا وَعِيدٌ. كَمَنْ قَالَ: إنَّ الْكَبِيرَةَ مَا فِيهَا وَعِيدٌ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ."
[27] ـ هو أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي المتوفى سنة (606 هـ) صاحب كتاب "المفهم لما أشكل من صحيح مسلم"، أما القرطبي صاحب التفسير المشهور فهو: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي شمس الدين القرطبي (المتوفى: 671هـ).
[28] ـ "فتح الباري" (12 / 184)؛ لابن حجر.
[29] ـ "تهذيب الفروق" مع الفروق وحاشية ابن الشاط (1 / 134).
[30] ـ الواجب على المسلم في حق أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هو احترامهم وتبجيلهم والترضي عنهم، وكلهم في ذلك سواء رضي الله عنهم، فإذا ذكر أحدهم فإنه يقال: (رضي الله عنه) لقول الله تبارك وتعالى: (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة) [الفتح:18] وقوله تعالى: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) [التوبة: 100] وأما ما في بعض الكتب من إبدال (رضي الله عنه) بلفظ (كرم الله وجهه) أو (عليه السلام) بالنسبة لعلي رضي الله عنه، فيقول عنه ابن كثير في تفسيره (6 / 422 ، 423): (قلت: وقد غلب هذا في عبارة كثير من النساخ للكتب أن يفرد عليا رضي الله عنه بأن يقال: (عليه السلام) دون سائر الصحابة أو (كرم الله وجهه) هذا وإن كان معناه صحيحاً لكن ينبغي أن يسوى بين الصحابة في ذلك، فإن كان هذا من باب التعظيم والتكريم فالشيخان وأمير المؤمنين عثمان أولى بذلك منه رضي الله عنهم أجمعين)
وقد ساق السفاريني في غذاء الألباب كلام ابن كثير ثم قال (1 / 33): (قلت: قد ذاع ذلك وشاع، وملأ الطروس والأسماع. قال الأشياخ: وإنما خُصّ علي - رضي الله عنه - بقول: كرم الله وجهه؛ لأنه ما سجد إلى صنم قط، وهذا إن شاء الله لا بأس به، والله الموفق) اهـ. الطروس والأطراس: جمع طرس وهو الكتاب، وَقَالَ قوم: الطِّرس الصَّحِيفَة الَّتِي قد مُحي مَا فِيهَا ثمَّ أُعيد الْكتاب وَقَالَ آخَرُونَ: بل الطِّرس الصَّحِيفَة بِعَينهَا. ينظر: "جمهرة اللغة" (2 / 713)، "المعجم الوسيط" (2 / 554).
قال بكر أبو زيد في معجم المناهي اللفظية تعليقا على كلام السفاريني (ص 440): (أما وقد اتخذته الرافضة أعداء علي - رضي الله عنه - والعترة الطاهرة - فلا؛ منعاً لمجاراة أهل البدع. الله أعلم). وأما عن التعليل لتخصيص علي رضي الله عنه بذلك دون غيره من الصحابة فيقول عنه الشيخ بكر أبو زيد في كتابه القيم: معجم المناهي اللفظية (ص 440): (ولهم في ذلك تعليلات لا يصلح منها شيء، ومنها: أنه لم يسجد لصنم قط، ومنها: لأنه لم يطلع على عورة أحد أصلاً، وهذا يشاركه فيه من ولد في الإسلام من الصحابة رضي الله عنهم، علماً أن القول بأي تعليل لا بد له من ذكر طريق الإثبات)،
[31] ـ الزواجر 1 / 9.
[32] ـ تفسير القرطبي 5 / 160.
[33] أخرجه البخاري (فتح الباري 16 / 555) .
[34] ـ أخرجه البخاري (فتح الباري 10 / 405) ومسلم (1 / 92) .
[35] ـ الزواجر 1 / 7.
[36] ـ أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 393) ومسلم (1 / 92) .
[37] ـ "الزواجر" (1 / 14)؛ لابن حجر الهيتمي.
[38] ـ "فتح الباري" 10 / 149.
[39] ـ "البحر المحيط"؛ للزركشي 4 / 276 - 277، و"الكبائر"؛ للذهبي ص2.
[40] ـ أخرجه البخاري في الأدب المفرد (ص13) من حديث ابن عمر موقوفا عليه.
[41] ـ "الزواجر" (1 / 14)؛ لابن حجر الهيتمي.
[42] ـ "الزواجر" (1 / 14)؛ لابن حجر الهيتمي.
[43] ـ الزواجر 1 / 9.
[44] ـ منح الجليل شرح مختصر خليل للشيخ عليش 4 / 219.
[45] ـ "البحر المحيط" (6 / 154)؛ للزركشي.
[46] ـ الزواجر 1 / 4.
[47] ـ فتح الباري 10 / 148.
[48] ـ تفسير ابن كثير 1 / 481 - 486، وفتح الباري 10 / 149، وتفسير القرطبي 5 / 160، والبحر المحيط للزركشي 4 / 276.
[49] ـ قال ابن حجر الهيتمي في "الزواجر" (1 / 14) : " وَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ قَصْدًا لِبَيَانِ الْمُحْتَاجِ مِنْهَا وَقْتَ ذِكْرِهِ لَا لِحَصْرِ الْكَبَائِرِ فِي ذَلِكَ"
[50] ـ "البحر المحيط" (6 / 154)؛ للزركشي.
[51] ـ "فتح الباري" (12 / 183)؛ لابن حجر.
[52] ـ "فيض القدير" (1 / 153)؛ لعبد الرؤوف المناوي.
[53] ـ وذلك كاختلافهم في حكم الصلاة في الدار المغصوبة، لكون الصلاة من المأمورات والغصب من المنهيات، وبيان ذلك: أن النهي قد تكون له جهتان: جهة مأمور به منها، وجهة منهي عنه منها، وهم يقولون في مثل هذا: إن انفكت جهة الأمر عن جهة النهى، فالفعل صحيح وإن لم تنفك عنها فالفعل باطل، وهذا القدر متفق عليه في الجملة، لكنهم عند التطبيق يختلفون.
فيقول الحنبلي: الصلاة في الأرض المغصوبة منهي عنها من جهة الغصب مأمور بها من جهة الصلاة إلا أن الجهة هنا غير منفكة لان نفس الحركة في أركان الصلاة عين شغل الفراغ المملوك لغيره تعدياً، وذلك عين الغصب، فأفعال الصلاة لا تنفك عن كونها غصباً.
والصلاة يشترط فيها نية التقرب وتلك الأفعال التي هي شغل الفراغ المملوك لغيره غصب لا يمكن فيه نية التقرب إذ لا يمكن أن يكون متقربا بما هو عاص به، أما إذا انفكت الجهة فالفعل صحيح كالصلاة بالحرير فان الجهة منفكة لا لبس الحرير منهي عنه مطلقا في الصلاة وغيرها، فالمصلى بالحرير صلاته صحيحة وعليه إثم لبسه الحرير، فيقول المالكي والشافعي مثلا: لا فرق البتة بين الصلاة في المكان المغصوب وبين الصلاة بالحرير، فالغصب أيضا حرام في الصلاة وفى غيرها، فصلاته صحيحة وعليه إثم غصبه. ينظر: "مذكرة في أصول الفقه" (ص 29 ، 30)؛ للشنقيطي.
[54] ـ لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط مادة (صغر).
[55] ـ ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: 526).
[56] ـ هذه المسألة تسمى عند العلماء بمسألة "أقل ما قيل" ويذكرها العلماء غالبا في كتاب الإجماع؛ لأن موضع استعمالها هو إثبات أن أقل ما قيل يعتبر إجماعا، ويمثلون لها باختلاف العلماء في دية الكتابي على ثلاثة أقوال وهي:
1 - أن ديته مثل دية المسلم . 2 - أن ديته نصف دية المسلم. 3 - أن ديته ثلث دية المسلم، وهو مذهب الإمام الشافعي، فكان أقل ما قيل في ديته: إنها الثلث، وهو القدر المتفق عليه بين الجميع، وما زاد عليه مختلف فيه، لكن ظن بعض الفقهاء أن الإمام الشافعي قال ذلك متمسكا في ذلك بإجماع الأقوال الثلاثة عليه. وهذا ليس بصحيح، أي: لا يصح أن يتمسك في إثبات أقل ما قيل بالإجماع.
هذا ما ذهب إليه الجمهور، وهو الصحيح؛ لأن أقل ما قيل - وهو: أن دية الكتابي ثلث دية المسلم - قد اشتمل على أمرين: أولهما: إثبات الثلث، وثانيهما: نفي الزيادة.
أما الأول - وهو إثبات الثلث - فهو مجمع عليه. وأما الثاني - وهو نفي الزيادة - فهو مختلف فيه؛ حيث إن أصحاب القولين: الأول والثاني قد زادوا دية الكتابي على الثلث، وأصحاب القول الثالث لم يزيدوا عن الثلث، فهنا وقع الخلاف، وبناء على هذا لا يكون الآخذ بأقل ما قيل قد تمسك بالإجماع، وإنما متمسك بدليل آخر غير الإجماع، قال بعض العلماء: إنه الاستصحاب والبراءة الأصلية.
وأحيانا تدرج في باب الأدلة المختلف فيها؛ لأنها من مسائل الإجماع المختلف فيها، وهذا صنيع كثير من المصنفين. ينظر: "البحر المحيط" (8 / 26 ، وما بعدها)؛ للزركشي، "المهذب في أصول الفقه" (2 / 941 ، وما بعدها)؛ للدكتور/ عبد الكريم النملة.
[57] ـ ((مجموع الفتاوى)) (11/ 650).
[58] ـ ((شرح الكوكب المنير)) (2/ 388).
[59] ـ "فتح الباري" (5 / 263)؛ لابن حجر.
[60] ـ ((مدارج السالكين)) (1/ 342)، وانظر: ((الجواب الكافي)) (ص186).
[61] ـ "شرح صحيح مسلم للنووي" (2 / 85).
[62] ـ "تهذيب الفروق" (1 / 134)؛ لمحمد علي بن حسين المكي المالكي.
[63] ـ "الدر المنثور" (2 / 498)؛ للسيوطي، وقال الأعظمي في تحقيقه لصحيح ابن خزيمة في الحديث رقم (315): "إسناده ضعيف صهيب تفرد نعيم المجمر بالرواية عنه مقبول من الرابعة"، وضعفه الألباني في "صحيح ابن خزيمة" برقم (1748)، وصححه الحاكم في الحديث رقم (719) ، (2943)، ووافقه الذهبي.
[64] ـ أي: تتحرك وتضطرب، كناية عن شدة التزاحم عليها. وصفق الْبَاب مصراعه وَهُوَ الْآن (الدرفة) يُقَال بَابه صفقٌ وَاحِد أَو صفقان مصراعان يضم أَحدهمَا إِلَى الآخر ليغلق. ينظر: المعجم الوسيط، مادة: صفق.
[65] ـ ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (5/ 158).
[66] ـ ((فتح القدير)) (1/ 457، 458).
[67] ـ "تفسير البغوي" (4 / 311) ط . إحياء التراث.
[68] ـ رواه البخاري برقم (6243).
[69] ـ أي: عمق علمهم، فغور كل شيء: قعره. يقال: فلانٌ بعيد الغَوْرِ. ينظر "الصحاح" للجوهري مادة: غور. وهو كناية عن الفهم الذي يبعد عن أكثر الناس، ولا يصل إليه إلا من اجتهد فصار بينه وبين غيره من الكسالى بون شاسع في العلم، فكأن ما علمه المجتهد في العلم في عمق لا يمكن الوصول إليه بسهولة كالماء في قعر البئر العميق.
[70] ـ ((مدارج السالكين)) (1/ 343 - 345)، وانظر: ((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/ 255، 256).
[71] ـ ذكر ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (11/ 659) هذه الآية والتي قبلها مستدلا بهما على هذا التقسيم للذنوب.
[72] ـ "البحر المحيط" (6 / 152 ، 153)؛ للزركشي.
[73] ـ "مفاتيح الغيب" (10 / 60)؛ للفخر الرازي.
[74] ـ رواه مسلم برقم (233). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[75] ـ ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/ 85).
[76] ـ رواه مسلم برقم (228). من حديث عثمان رضي الله عنه.
[77] ـ "إرشاد الفحول" (1 / 145)؛ للشوكاني.
[78] ـ ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص5).
[79] ـ "شرح مختصر الروضة" (3 / 476)؛ للطوفي.
[80] ـ ينظر: ((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص: 5).
[81] ـ انظر: ((فتح الباري)) (10/ 409)، و ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/ 85).
[82] ـ انظر" شرح الأصول الخمسة ص632.
[83] ـ "فتح الباري" (10 / 409 ، 410)؛ لابن حجر.
[84] ـ نقلاً عن ((فتح الباري)) (10/ 409)، وانظر: ((تفسير القرطبي)) (5/ 159).
[85] ـ رواه الطبري في ((تفسيره)) (8/ 214)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) 1/ 273، قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 410) أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس.
[86] ـ "تهذيب الفروق" هامش "الفروق" للقرافي جـ1 ص 134.
[87] ـ "البحر المحيط" (6 / 152 ، 153)؛ للزركشي.
[88] ـ "تفسير النيسابوري" (2 / 403 ، 404)؛ للحسن بن محمد النيسابوري. وينظر: "مفاتيح الغيب" (10 / 60)؛ للفخر الرازي.
[89] ـ ((شرح الطحاوية)) (ص419)، وانظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 657)، "مفاتيح الغيب" (10 / 60)؛ للفخر الرازي..
[90] ـ "تفسير النيسابوري" (2 / 403 ، 404)؛ للحسن بن محمد النيسابوري. وينظر: "مفاتيح الغيب" (10 / 60)؛ للفخر الرازي.
[91] ـ رواه مسلم برقم (233).
[92] ـ رواه مسلم (233) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[93] ـ ذكر هذا الأثر ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 410) وقال: وأخرج - ابن أبي حاتم - من وجه آخر متصل لا بأس برجاله.
[94] ـ انظر: ((فتح الباري)) (10/ 410).
[95] ـ ((شعب الإيمان)) (2/ 94).
[96] ـ ينظر: ((فتح الباري)) (10/ 410).
[97] ـ "آيات عتاب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في ضوء العصمة والاجتهاد" (ص 62)؛ تأليف: د. عويد بن عيَّاد بن عايد المطرَفي ـ الناشر: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز - مكة المكرمة حرسها الله تعالى ـ الطبعة: الثالثة، 1426 هـ - 2005 م
[98] ـ ((فتح الباري)) (1/ 409).
[99] ـ شرح مسلم للنووي 2/85؛ وفتح الباري 10/409؛ عن كتاب البسيط للغزالي.
[100] ـ "آيات عتاب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في ضوء العصمة والاجتهاد" (ص 63) تأليف: د. عويد بن عيَّاد بن عايد المطرَفي ـ الناشر: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز - مكة المكرمة حرسها الله تعالى ـ الطبعة: الثالثة، 1426 هـ - 2005 م
[101] ـ "إرشاد الفحول" (1 / 145)؛ للشوكاني.
[102] ـ "فتح الباري" (2 / 184)؛ لابن حجر.
[103] ـ نهاية المحتاج 8 / 279، وشرح المنار وحواشيه 2 / 636.
[104] ـ الفروق للقرافي وحاشية ابن الشاط 4 / 67.
[105] ـ "البحر المحيط" (6 / 155).
[106] ـ "البحر المحيط" (6 / 155).
[107] ـ "البحر المحيط"؛ للزركشي (6 / 150 ، 156)، باختصار.
[108] ـ المغني لابن قدامة 10 / 235 وذكر أن القاضي أبا يعلى ضبطه بالمداومة.
[109] ـ حواشي شرح المنار نقلا عن قمر الأقمار 2 / 636، وتيسير التحرير لأمير بادشاه 3 / 44، وتقرير التحبير لابن أمير حاج 2 / 242.
[110] ـ "الإبهاج" (2 / 216 ، 217)؛ لتقي الدين السبكي.
[111] ـ التقرير والتحبير (دار الكتب العلمية-الطبعة الثانية-1403هـ-1983م) ج2 ص242-245
[112] ـ "الإبهاج" (2 / 315)؛ لتقي الدين السبكي.


=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق