1
المكتبة الإسلامية
المكتبة | المؤلفون | مكتبتي | حول الموقع
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 1)
الأحاديث
التي أعل الإمام البخاري متونها بالتناقض
للدكتور
بسام بن عبد الله بن صالح الغانم العطاوي (معاصر)
رئيس قسم الدراسات الإسلامية في كلية المعلمين في الدمام
بحث ضمن العدد 34 من مجلة الحكمة (*)
الصادر في محرم 1428
[الترقيم موافق للمطبوع، وهو مذيل بالحواشي]
أعده للشاملة مع المقابلة على أصله المطبوع مرتين:
//محمود الجيزي - عفا الله عنه//
طور بواسطة نورين ميديا © 2015
2
المكتبة الإسلامية
المكتبة | المؤلفون | مكتبتي | حول الموقع
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 2)
[تقديم]
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام الأتمان
الأكملان علي رسوله الأمين وعلي آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلي يوم الدين.
أما بعد:
فإنّ الله تعالي وعد بحفظ هذا الدين فقال: {إِنَّا
نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]، وقد صدق
الله وعده،
{وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ} [التوبة:
111]، فحفظ لنا دينه، وأتمّ علينا نعمته.
وإن مما حفظ الله به الدين أولئك العلماء الحفاظ الذين
أفنوا أعمارهم، وبذلوا مُهجهم وأموالهم لحفظ الدين وصيانة الشريعة.
وإن من أعظم أولئك الأعلام الإمام أبا عبد الله محمد بن
إسماعيل بن إبراهيم البخاري، المتوفي ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين، صاحب
«الصحيح» الذي هو أصحّ مصنّف في الحديث.
وثناء الأئمة علي الإمام البخاري في دينه وفضله،
وشهادتهم
طور بواسطة نورين ميديا © 2015
3
برسوخه في العلم عموما وفي الحديث خصوصا كثير جدًا، وهو
مذكور في مظانّه المعروفة.
قال النووي - رحمه الله - في أول شرحه علي «صحيح
البخاري»: واعلم أن وصف البخاري رضي الله تعالي عنه بارتفاع المحل والتقدم في هذا
العلم علي الأماثل والأقران متفق عليه فيما تأخر وتقدم من الأزمان، ويكفي في فضله
أن معظم من أثني عليه ونشر مناقبه شيوخه الأعلام المبرزون والحذاق المتقنون ... إلي أن قال:
ويوضح لك ذلك ما أشرت إليه من أقوال أعلام أئمة المسلمين أولي الورع والدين،
والحفاظ النقاد المتقنين، الذين لا يجازفون في العبارات بل يتأملونها، ويحررونها،
ويحافظون علي صيانتها أشد المحافظات
(?).
وقال ابن حجر - رحمه الله - بعد أن ذكر جملة من أقوال
الأئمة المتقدمين في الثناء علي الإمام البخاري: ولو فتحت باب ثناء الأئمة عليه
ممن تأخر عن عصره لفني القرطاس، ونفدت الأنفاس؛ فذاك بحر لا ساحل له (?).
وهذا كله يبين ما لأحكام البخاري علي الأحاديث من
المنزلة الرفيعة والشأن العظيم والنصيب الأوفي من الصواب.
قال ابن حجر: لا ريب في تقديم البخاري ثم مسلم علي أهل
عصرهما ومن بعده من أئمة هذا الفن في معرفة الصحيح والمعلل (?).
وقد أردت في هذا البحث أن أبرز أحد الأسس التي يقوم
عليها منهج الإمام البخاري رحمه الله في نقد متن الحديث، وهو التحقق من سلامة معني
المتن من مناقضة الأمور الثابتة في الكتاب أو السنة ومخالفة الحقائق التاريخية
والعقلية؛ إذ لا يمكن أن يكون الحديث صحيحًا مع وجود تلك المناقضة أو المخالفة في
متنه.
وقد جمعت من كتب الإمام البخاري
.............................................
4
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 4)
الأحاديث والآثار التي أعلّها مصرحا بعلة في متنها من
جهة المعني، تمنع من الحكم عليها بالصحة، لمناقضتها ما ثبت في موضوع ذلك المتن.
وذكرت تلك الأحاديث في هذا البحث دون الأحاديث التي
أعلّها بعلة في متنها، أشار إليها دون تصريح بها. فقد يعلّ البخاري حديثا بعبارة
مجملة يفهم منها أهل هذا العلم - بحكم الخبرة والممارسة - أن البخاري يشير إلي علة
في المتن. وغالب الأحاديث التي أعلّها البخاري من جهة متنها أعلّها أيضا من جهة
سندها، وهذا يدل علي ما بين صحة المتن وصحة السند من ملازمة، بمعني أن وجود علة في
المتن يقتضي وجود علة في السند، وقد تكون واضحة، وقد تكون خفية لا يفطن لها إلا
الراسخون في هذا العلم. وذلك أن العلة في المتن لا بد لها من مصدر، ومصدرها لا بد
أن يكون من رواة هذا المتن، ورواة المتن هم السند.
وقد جعلت الأحاديث التي أعلّها البخاري خمسة أقسام، وهي:-
القسم الأول: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها السنة الصحيحة.
القسم الثاني: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها ما صح من رواية أصحابها أنفسهم.
القسم الثالث: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها عمل الصحابة.
القسم الرابع: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها رأي من رواها ومذهبه.
القسم الخامس: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها الواقع.
وخصصت القسم السادس للآثار التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها ما ثبت عن أصحابها.
5
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 5)
وقد خرّجت الأحاديث، وبيّنت وجه إعلال البخاري إياها،
وذكرت علل أسانيدها، ونقلت من كلام الأئمة في ذلك كله ما رأيت الحاجة داعية إلي
نقله لبيان مقصود البحث.
وأسأل الله تعالي بأسمائه وصفاته أن يجعل هذا البحث
خالصا لوجه نافعا لخلقة.
============================
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 6)
القسم الأول: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها السنة الصحيحة
من المقاييس التي استعملها المحدثون في نقد المتن عرض
المتن علي السنة الصحيحة (?)، فكانوا يستدلّون علي ضعف الخبر بمناقضة متنه السنة
الصحيحة؛ لاستحالة وقوع التناقض في أخبار الله تعالي وأخبار رسوله صلي الله عليه وسلم
كما قال تعالي: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ
اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82)} [النساء: 82].
قال الخطيب البغدادي: وكل خبرين عُلم أن النبي صلي الله عليه
وسلم تكلّم بهما فلا يصح دخول التعارض فيهما علي وجه، وإن كان ظاهرهما متعارضين؛
لأن معني التعارض بين الخبرين والقرآن من أمر ونهي وغير ذلك أن يكون موجب أحدهما
منافيا لموجب الآخر، وذلك يبطل التكليف إن كانا أمرًا ونهيًا وإباحة وحظرًا، أو
يوجب كون أحدهما صدقًا والآخر كذبًا إن كانا خبرين، والنبي صلي الله عليه وسلم منزّه
عن ذلك أجمع معصوم منه باتفاق الأمة
(?).
وقال أيضا: "وكل خبر واحد دل العقل أو نص الكتاب أو
الثابت من الأخبار أو الإجماع أو الأدلة الثابتة المعلومة علي صحته وجد خبر آخر
يعارضه فإنه يجب اطراح ذلك المعارض، والعمل بالثابت الصحيح اللازم؛ لأن العمل
بالمعلوم واجب علي كل حال
(?).
================
7
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 7)
وقد أعلّ البخاري رحمه الله تعالي أحاديث كثيرة بهذه
العلة، وإن كان أكثرها ضعيفا من جهة الإسناد أيضا:
1 - فقد ذكر البخاري في كتابه «الضعفاء الصغير» (?) في
ترجمة حشرج بن نباتة أنه سمع سعيد بن جمهان عن سفينة أن النبي صلي الله عليه وسلم
قال لأبي بكر وعمر وعثمان: «هؤلاء الخلفاء بعدي»، ثم قال البخاري: وهذا حديث لم
يتابع عليه؛ لأن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب قالا: لم يستخلف النبي صلي الله عليه
وسلم.
وذكر البخاري هذا أيضا في «تاريخه الكبير» (?)، وفي
«تاريخه الأوسط» (?).
فقد أعلّ البخاري الحديث بمناقضته الأحاديث الصحيحة التي
تنفي أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم نص علي تعيين أحد للخلافة بعده.
فقد روى الشيخان في صحيحيهما (?) عن عبد الله بن عمر -
رضي الله عنهما - أنه قال: قيل لعمر: ألا تستخلف؟ قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو
خير مني: أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني: رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وروى البخاري (?) عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما
- أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه خرج من عند رسول الله صلي الله عليه وسلم في
وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا حسن، كيف أصبح رسول الله صلي الله عليه
وسلم؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا. فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد
ثلاث عبد العصا (?)، وإني والله لأري رسول الله صلي الله عليه وسلم سوف يتوفي من
وجعه هذا؛ إني
=======
الاحاديث التي اعل
الامام البخاري متونها بالتناقض
(صفحة 8)
لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت. اذهب بنا إلي رسول
الله صلي الله عليه وسلم فلنسأله فيمن هذا الأمر، إن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان
في غيرنا علمناه فأوصي بنا. فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلي الله عليه
وسلم فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلي الله
عليه وسلم.
قال البيهقي في سننه (?): وفي هذا دلالة علي أن النبي
صلي الله عليه وسلم لم يستخلف أحدًا بالنص عليه.
وروى أحمد في مسنده (?) حديثا عن عبد الله بن سُبع عن
علي رضي الله عنه، وفيه أنهم قالوا له: فاستخلف علينا. قال: لا، ولكن أترككم إلي
ما ترككم إليه رسول الله صلي الله عليه وسلم.
وروى ابن أبي عاصم في «السنة» (?) عن أبي وائل شقيق بن
سلمة قال: قيل لعلي رضي الله عنه: استخلف علينا. فقال: ما استخلف رسول الله صلي
الله عليه وسلم، ولكن إن يرد الله بالناس خيرًا سيجمعهم علي خيرهم، كما جمعهم بعد
نبيهم صلي الله عليه وسلم علي خيرهم.
وروى أحمد (?) بسنده عن رجل عن علي رضي الله عنه أنه قال
يوم الجمل: «إن رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يعهد إلينا عهدًا نأخذ به في
الإمارة، ولكنه شيء رأيناه من قبل أنفسنا ...» الحديث (?). (صفحة 9)
وحديث سفينة الذي أعلّه البخاري هنا رواه ابن أبي عاصم
في «السنة» (?)، وأبو يعلي الموصلي في مسنده (?)، والحارث بن أبي أسامة في مسنده
(?)، وابن حبان في «المجروحين» (?)، وابن عدي في «الكامل» (?) كلهم من طريق حشرج
بن نباتة عن سعيد بن جمهان عن سفينة قال: بني رسول الله صلي الله عليه وسلم
مسجدًا، فقال لأبي بكر: «ضع حجرًا إلي جنب حجري»، ثم قال لعمر: «ضع حجرًا إلي جنب حجر
أبي بكر»، ثم قال لعثمان: «ضع حجرك إلي جنب حجر عمر»، ثم قال: «هؤلاء الخلفاء من
بعدي».
وقد تفرد حشرج بن نباتة بهذا الحديث. وحشرج قال فيه ابن
حجر: صدوق يهم (?).
وهذا الحديث من أوهامه التي أنكرت عليه (?). فهذا الحديث
يناقض الأحاديث الصحيحة التي تنفي أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم نص علي تعيين
أحد للخلافة بعده، ويناقض عمل الصحابة في اختيارهم أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله
عنهم للخلافة؛ إذ لم يذكر أحد منهم وقت الاختيار أن النبي صلي الله عليه وسلم نص
علي أحد.
وقد سئلت عائشة رضي الله عنها: من كان رسول الله صلي
الله عليه وسلم مستخلفا لو استخلفه؟ قالت: أبو بكر. فقيل لها: ثم من بعد أبي بكر؟.
قالت: عمر.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
ثم قيل لها: من بعد عمر؟. قالت: أبو عبيدة بن الجراح. ثم
انتهت إلي هذا (?).
قال النووي: وفيه دلالة لأهل السنة أن خلافة أبي بكر
ليست بنص من النبي صلي الله عليه وسلم علي خلافته صريحا، بل أجمعت الصحابة علي عقد
الخلافة له وتقديمه؛ لفضيلته. ولو كان هناك نص عليه أو علي غيره لم تقع المنازعة
من الأنصار وغيرهم أولا، ولذكر حافظ النص ما معه، ولرجعوا إليه؛ لكن تنازعوا أولا
ولم يكن هناك نص، ثم اتفقوا علي أبي بكر واستقرّ الأمر (?).
2 - وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) قال: حدثنا
آدم قال: حدثنا شعبة عن الحكم قلت لمقسم: إني أوتر بثلاث؟ فقال: لا إلا بخمس أو
سبع. فقلت: عمن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي صلي الله عليه وسلم.
وقال سفيان: عن منصور عن الحكم عن مقسم عن أم سلمة عن
النبي صلي الله عليه وسلم.
ثم قال البخاري مضعفا هذا الحديث: ولا يعرف لمقسم سماع من
أم سلمة، ولا ميمونة، ولا عائشة. وقال ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم: «صلاة
الليل مثني مثني، والوتر ركعة من آخر الليل». وحديث ابن عمر أثبت، وقول النبي صلي
الله عليه وسلم ألزم. حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن نافع وعبد الله
بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رجلا سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن صلاة الليل،
فقال: «مثني مثني، فإذا خشي أحدكم الصبح صلّي ركعة توتر له ما قد صلّي».
فقد أعلّ البخاري حديث مقسم الذي يمنع من الوتر بثلاث
بانقطاع سنده، وبمخالفة متنه السنة الصحيحة التي تصرح بجواز ذلك.
وحديث مقسم رواه أحمد في مسنده (?) قال: حدثنا يحيى عن
شعبة
قال: حدثني الحكم قال: قلت لمقسم: أوتر بثلاث، ثم أخرج إلي الصلاة؛
مخافة أن تفوتني؟ قال: لا وتر إلا بخمس أو سبع. قال: فذكرت ذلك ليحيى بن الجزار ومجاهد،
فقالا لي: سله عمن؟ فقلت له، فقال: عن الثقة عن عائشة وميمونة عن النبي صلي الله
عليه وسلم.
وأخرجه النسائي (?) من طريق سفيان بن الحسين عن الحكم عن
مقسم قال: الوتر سبع فلا أقل من خمس. فذكرت ذلك لإبراهيم فقال: عمن ذكره؟ قلت: لا
أدري. قال الحكم: فحججت فلقيت مقسما، فقلت له: عمن؟ قال: عن الثقة عن عائشة وعن
ميمونة.
وهذا سند ضعيف، بسبب الرجل المبهم الذي وصفه الحكم بأنه
ثقة. وحديث المبهم لا يقبل ولو أبهم بلفظ التعديل كما هو موضح في كتب علوم الحديث (?).
3 - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) حديث الحكم عن مقسم
عن ابن عباس: وقف النبي صلي الله عليه وسلم، وردفه الفضل بعرفة، ثم أفاض فلم أرها
(?) رافعة يدها عادية حتي أتي جمعا (?)، قال أسامة: ثم أردفني، ووقف جمعا وردفه
أسامة، ثم أفاض يبادر طلوع الشمس فلم أرها رافعة يدها حتي أتي مني، قال: ونحن علي
حُمرات لنا، فجعل يضرب أفخاذنا، ويقول: «بني، أفيضوا، ولا ترموا الجمرة حتي تطلع الشمس».
وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده (?) عن عثمان بن أبي
شيبة عن جرير عن الأعمش عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس به بنحوه.
ثم قال البخاري مضعفا هذا الحديث: والمستفيض عن ابن عباس
أن النبي صلي الله عليه وسلم أردف أسامة من عرفة إلي جمع. وكذلك قال أسامة: أردفني
النبي صلي الله عليه وسلم، فقلت: الصلاة. فقال: «الصلاة أمامك»، ثم أردف الفضل من
جمع إلي مني (?).
ثم قال البخاري: وحديث الحكم هذا عن مقسم مضطرب؛ لما
وصفنا. ولا يدري الحكم سمع هذا من مقسم أم لا؟
ثم ذكر البخاري خمسة أحاديث تثبت أنهم رموا الجمرة قبل
طلوع الشمس:
- حديث شعبة مولي ابن عباس عن ابن عباس: بعثني النبي صلي
الله عليه وسلم مع أهله إلي مني يوم النحر فرمينا الجمرة مع طلوع الفجر (?).
- وحديث عائشة بنت طلحة عن خالتها عائشة أم المؤمنين أن
النبي صلي الله عليه وسلم أمر إحدى نسائه، وهي سودة، أن تنفر من جمع ليلة جمع،
فتأتي جمرة العقبة، فترميها، فتصبح في منزلها (?).
- وحديث عبد الله مولي أسماء أنها ارتحلت من جمع حين غاب
القمر، فمضينا حتي رمت الجمرة، ثم رجعت، فصلّت الصبح، فقلت لها، فقالت: إن رسول
الله صلي الله عليه وسلم أذن للظعن
(?).
- وحديث سالم عن ابن عمر قال: فمنهم من تقدم مني ليلا
ومنهم من
تقدم بعد ذلك، فإذا قدموا رموا الجمرة. وكان ابن عمر
يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلي الله عليه وسلم (?).
- وحديث أم سلمة رضي الله عنها أنها فعلت ذلك (?).
قال البخاري: وحديث هؤلاء أكثر في الرمي قبل طلوع الشمس
وأصح.
فقد أعلّ البخاري حديث مقسم بمخالفة متنه الأحاديث
الصحيحة التي تثبت أن رديف النبي صلي الله عليه وسلم من عرفة إلي مزدلفة كان أسامة
بن زيد وليس الفضل، وأن الذين رخص لهم في الانصراف من مزدلفة بليل قد رموا جمرة
العقبة قبل طلوع الشمس.
4 - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) حديث عبد
الرحمن بن مغراء عن رشدين بن كريب مولي ابن عباس عن ابن عباس رفعه قال: «لا تصلّوا
إلي قبر، ولا علي قبر».
ثم روى حديثا أعلّ به هذا الحديث فقال: حدثنا أبو عاصم
عن سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي
قبر (?).
ثم قال البخاري: وهذا أصح. وروى أبو هريرة (?) وغير واحد
(?) أن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي قبر.
فقد أعلّ البخاري حديث رشدين الذي ينهي عن الصلاة علي
القبر، بمخالفته السنة الصحيحة التي تثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم صلّي علي
قبر.
وحديث رشدين رواه الطبراني (?) قال: حدثنا جعفر بن محمد
الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا عبد الرحمن بن مغراء حدثنا
رشدين بن كريب عن أبيه عن ابن عباس أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «لا يصلى إلي
قبر، ولا علي قبر».
وهذا سند ضعيف لأجل رشدين بن كريب فإنه ضعيف، ويروي
مناكير (?).
5 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث عبد
الواحد بن نافع عن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن أبيه أنه كان يسمع النبي صلي
الله عليه وسلم يأمر بتأخير العصر.
قال البخاري: ولا يتابع عليه.
ثم روى حديثا صحيحا يخالف هذا الحديث، وهو حديث أبي
النجاشي عن رافع بن خديج أنه قال:
كنا نصلّي مع النبي صلي الله عليه وسلم العصر، ثم ننحر
الجزور فنقسم عشر قسم، ثم نطبخ، فنأكل لحمًا نضيجا قبل أن تغرب الشمس (?).
قال البخاري: وهذا أصح.
وقد ذكر البخاري حديث عبد الواحد بن نافع هذا في
«التاريخ الأوسط» (?) أيضا ثم أعلّه بقوله: وعبد الواحد لم يتبين أمره. ويروى عن
النبي صلي الله عليه وسلم من وجوه أنه كان يعجل العصر. ثم ذكر حديث أبي النجاشي عن
رافع بن خديج السابق، وحديث أنس رضي الله عنه قال: كنا نصلّي مع النبي العصر،
فيسير الراكب ستة أميال، قبل أن تغيب الشمس (?)، وحديث
عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلي الله عليه وسلم يصلّي العصر، والشمس
طالعة في حجرتي قبل أن يظهر الفيء
(?).
فقد أعلّ البخاري حديث عبد الواحد بن نافع بمخالفته
الأحاديث الصحيحة وما روي في معناها، والتي تثبت أن النبي صلي الله عليه وسلم كان
يعجل صلاة العصر.
وحديث عبد الواحد أخرجه الدارقطني في «سننه» (?) من طريق
أبي سلمة، والطبراني في «معجمه الكبير» (?) من طريق حرمي بن عمارة، عن عبد الواحد
به بنحوه.
وقد تابع البخاري في إعلال هذا الحديث بالعلة نفسها
الدارقطني، فقال: وهذا حديث ضعيف الإسناد من جهة عبد الواحد هذا؛ لأنه لم يروه عن
ابن رافع بن خديج غيره. وقد اختلف في اسم ابن رافع هذا. ولا يصح هذا الحديث عن
رافع ولا عين غيره من الصحابة. والصحيح عن رافع بن خديج وعن غير واحد من الصحابة عن النبي صلي
الله عليه وسلم غير هذا، وهو التعجيل بصلاة العصر والتبكير بها (?).
وعبد الواحد ذكره ابن حبان في المجروحين (?) فقال: عبد
الواحد بن نافع الكلاعي أبو الرماح شيخ يروي عن أهل الحجاز المقلوبات، وعن أهل
الشام الموضوعات، لا يحلّ ذكره في الكتب إلا علي سبيل
القدح فيه. وهو الذي روى عن عبد الله بن رافع بن خديج عن أبيه أن النبي صلي الله
عليه وسلم كان يأمر بتأخير العصر.
6 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث حرب بن عبيد
الله عن خال له عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «ليس علي المسلمين عشور، إنما
العشور علي اليهود والنصاري».
ثم قال البخاري معلاّ هذا الحديث: وقد فرض النبي صلي
الله عليه وسلم العشر فيما أخرجت الأرض في خمسة أوسق.
فقد رأي البخاري حديث حرب الذي ينفي أن يكون علي المسلمين
عشور مخالفا الأحاديث الصحيحة التي توجب إخراج العشر في زكاة الخارج من الأرض من
الحبوب والثمار إذا بلغت النصاب، وهو خمسة أوسق، وكان مما يسقي بلا مؤونة.
ومن هذه الأحاديث الصحيحة حديث جابر بن عبد الله رضي
الله عنهما أنه سمع النبي صلي الله عليه وسلم قال: «فيما سقت الأنهار والغيم
العشور، وفيما سقي بالسانية نصف العشر». رواه مسلم (?).
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه
وسلم قال: فيما سقت السماء والعيون أو كان عثريا العشر، وما سقي بالنضح نصف
العشر». رواه البخاري (?).
وأما حديث حرب فأخرجه أبو داود (?) قال: حدثنا مسدد
حدثنا أبو الأحوص حدثنا عطاء بن السائب عن حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه
عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إنما
العشور علي اليهود والنصاري، وليس علي المسلمين عشور».
وهذا حديث ضعيف؛ فحرب بن عبيد الله قال فيه ابن حجر: لين
الحديث (?). وقد وقع في إسناد هذا الحديث اضطرب كثير (?).
وذكر الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا
حديث فيه اضطراب. ولا يصح هذا الحديث
(?).
وقال عبد الحق الإشبيلي: هو حديث في إسناده اختلاف، ولا
أعلمه من طريق يحتج به (?).
7 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث الأخنسي
عن جدته حكيمة بنت أمية عن أم سلمة أنها سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «من
أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي إلي المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه».
ثم أعلّ البخاري هذا الحديث فقال: ولا يتابع في هذا
الحديث؛ لما وقت النبي صلي الله عليه وسلم ذا الحليفة والجحفة، واختار أن أهلّ
النبي صلي الله عليه وسلم من ذي الحليفة.
فقد رأي البخاري حديث الأخنسي الذي فيه الترغيب في
الإهلال بالحج أو العمرة من المسجد الأقصي يناقض أحاديث المواقيت التي وقتها رسول
الله صلي الله عليه وسلم، وأمر بالإحرام منها، وأحرم هو صلي الله عليه وسلم من ذي
الحليفة ميقات أهل المدينة، فلو كان الإحرام من المسجد الأقصي أفضل لفعله النبي
صلي الله عليه وسلم.
وقد بوّب البخاري علي ذلك في كتاب الحج من صحيحه فقال:
باب
ميقات أهل المدينة ولا يهلّون قبل ذي الحليفة. وروى
بسنده عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
«يهلّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهلّ أهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن»
(?). ثم روى بعد ذلك في باب الإهلال عند مسجد ذي الحليفة (?) بسنده عن ابن عمر رضي
الله عنهما أنه قال: ما أهلّ رسول الله صلي الله عليه وسلم إلا من عند المسجد، يعني
مسجد ذي الحليفة.
أما حديث الأخنسي فرواه أبو داود (?) قال: حدثنا أحمد بن
صالح حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن يحيى بن أبي سفيان
الأخنسي عن جدته حكيمة عن أم سلمة زوج النبي صلي الله عليه وسلم أنها سمعت رسول
الله صلي الله عليه وسلم يقول: «من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصي إلي المسجد
الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر» أو «وجبت له الجنة» شك عبد الله أيتهما.
ورواه ابن ماجه (?) من طريق محمد بن إسحاق عن يحيى بن
أبي سفيان عن أمه أم حكيم بنت أمية عن أم سلمة به بلفظ: «من أهلّ بعمرة من بيت
المقدس كانت له كفارة لما قبلها من الذنوب».
وهذا سند ضعيف. قال ابن حزم: أما هذان الأثران فلا يشتغل
بهما من له أدني علم بالحديث؛ لأن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي وجدته حكيمة وأم حكيم
بنت أمية لا يدري من هم من الناس. ولا يجوز مخالفة ما صحّ بيقين بمثل هذه
المجهولات التي لا تصح قط (?).
وقال المنذري: قد اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافا
كثيرا (?).
8 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث الحارث
بن عمرو السهمي قال: شهدت مع النبي صلي الله عليه وسلم حجة الوداع قال: «من شاء عتر،
ومن شاء لم يعتر». ثم أشار البخاري إلي ضعفه فقال: وقال أبو هريرة عن النبي صلي
الله عليه وسلم: «لا فرع ولا عتيرة»، وهذا أصح.
فقد أعلّ البخاري حديث الحارث الذي يرخص في العتيرة
بالحديث الصحيح الذي يمنع من ذلك، وهو حديث أبي هريرة الذي أخرجه البخاري (?)، ومسلم
(?) من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي
الله عليه وسلم قال: «لا فرع ولا عتيرة». والفرع أول النتاج كانوا يذبحونه
لطواغيتهم، والعتيرة في رجب.
وأما حديث الحارث فقد أخرجه النسائي (?) قال: أخبرنا
سويد بن نصر قال: أنبأنا عبد الله يعني ابن المبارك عن يحيى وهو ابن زرارة بن كريم
بن الحارث بن عمرو الباهلي قال: سمعت أبي يذكر أنه سمع جده الحارث بن عمرو يحدّث
أنه لقي رسول الله صلي الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو علي ناقته العضباء،
فأتيته من أحد شقّيه فقلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي استغفر لي، فقال: «غفر الله
لكم». ثم أتيته من الشق الآخر أرجو أن يخصّني دونهم، فقلت: يا رسول الله استغفر
لي، فقال بيده: «غفر الله لكم».فقال رجل من الناس: يا رسول الله، العتائر
والفرائع؟ قال: «من شاء عتر، ومن شاء لم يعتر. ومن شاء فرع، ومن شاء لم يفرع. في
الغنم أضحيتها» وقبض أصابعه إلا واحدة.
وهذا سند ضعيف؛ وقد ضعفه عبد الحق الإشبيلي وقال: زرارة هذا لا
يحتج بحديثه. قال ابن القطان: يعني بذلك أنه لا تعرف حاله. ثم ذكر ابن القطان أن ابنه يحيى
أيضا لا تعرف حاله (?).
9 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث زيد بن
وهب عن ثابت بن وديعة الأنصاري في أكل الضب. وهو حديث رواه أبو داود (?) قال:
حدثنا عمرو بن عون أخبرنا خالد عن حصين عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة قال: كنا
مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في جيش فأصبنا ضبابا. قال: فشويت منها ضبا، فأتيت
رسول الله صلي الله عليه وسلم، فوضعته بين يديه. قال: فأخذ عودا، فعدّ به أصابعه،
ثم قال: «إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب في الأرض، وإني لا أدري أي الدواب هي».
قال: فلم يأكل ولم ينه.
وقد تابع حصين بن عبد الرحمن كل من عدي بن ثابت ويزيد بن
أبي زياد عن زيد بن وهب عن ثابت بن وديعة عن النبي صلي الله عليه وسلم به، وخالفهم
الأعمش فرواه عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة عن النبي صلي الله عليه وسلم (?).
وحديث الأعمش أخرجه أحمد في مسنده (?) قال: حدثنا أبو معاوية
حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن بن حسنة قال: كنا مع النبي صلي الله
عليه وسلم في سفر، فنزلنا أرضا كثيرة الضباب. قال: فأصبنا منها وذبحنا. قال: فبينا
القدور تغلي بها؛ إذ خرج علينا رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: «إن أمة من بني
إسرائيل فقدت، وإني أخاف أن تكون هي فأكفئوها»،
فأكفأناها.
قال البخاري: ولم يعرف أن أحدا روى هذا غير الأعمش (?).
وحديث ثابت أصح، وفي نفس الحديث نظر. قال ابن عمر عن
النبي صلي الله عليه وسلم: «لا آكله ولا أحرّمه». وقال ابن عباس: لو كان حراما لم يؤكل في
مائدة النبي صلي الله عليه وسلم
(?).
فالبخاري رجح هنا أن الحديث حديث ثابت بن وديعة كما رواه
الأكثرون عن زيد بن وهب وليس حديث عبد الرحمن بن حسنة كما رواه الأعمش مخالفا لهم
في السند، وفي المتن أيضا. ولهذا قال البخاري: وفي نفس الحديث نظر. يعني الأمر
بإكفاء القدور الذي في رواية الأعمش فإنه يخالف ما جاء في الروايات الصحيحة الأخرى
من أن النبي صلي الله عليه وسلم لم يحرم الضب، ولم ينه عنه. كحديث ابن عمر رضي
الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «الضب لست آكله ولا أحرمه» متفق عليه
(?). وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن خالته أهدت إلي النبي صلي الله عليه وسلم
أقطا وسمنا وضبا، فأكل النبي صلي الله عليه وسلم من الأقط والسمن، وترك الضب تقذرا. قال ابن عباس:
فأكل علي مائدة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولو كان حراما ما أكل علي مائدة رسول
الله صلي الله عليه وسلم. متفق عليه
(?).
10 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) في ترجمة عبد
الله بن هانئ أبي الزعراء الكوفي أنه روى عن ابن مسعود رضي الله عنه في الشفاعة:
«ثم يقوم نبيكم رابعهم»، ثم قال البخاري معلاّ هذا الحديث: والمعروف عن النبي صلي الله
عليه وسلم: «أنا أول شافع». قال: ولا يتابع في حديثه.
وحديث أبي الزعراء أخرجه النسائي في «سننه الكبري» (?)
من طريق شعبة عن سلمة بن كهيل قال: سمعت أبا الزعراء قال عن عبد الله في قصة ذكرها
قال: أول شافع يوم القيامة جبرائيل عليه السّلام روح القدس، ثم إبراهيم خليل
الرحمن عليه السّلام، ثم موسي أو عيسي - قال أبو الزعراء: لا أدري أيهما - قال:
قال: ثم يقوم نبيكم صلي الله عليه وسلم رابعًا فلا يشفع أحد بمثل شفاعته، وهو وعده
المحمود الذي وعده.
وهذا سند ضعيف لأجل أبي الزعراء عبد الله بن هانيء؛ فإنه
لم يرو عنه سوى سلمة بن كهيل، ولم يوثقه معتبر، وفي رواياته ما يستنكر (?)،
ومنها هذا الحديث، فقد أعلّه البخاري بأن متنه يناقض
الأحاديث الصحيحة التي تصرح بأن النبي صلي الله عليه وسلم أول شافع يوم القيامة.
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي
الله عليه وسلم قال: «أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول
شافع، وأول مشفّع» رواه مسلم (?).
وقد ذكر العقيلي في ترجمة أبي الزعراء أن في حديثه ما
ليس في حديث الناس، يعني حديثه في الشفاعة (?).
وممن نبّه علي هذا أيضا الهيثمي (?) فقد قال: وهو موقوف
مخالف للحديث الصحيح، وقول النبي صلي الله عليه وسلم: «أنا أول شافع».
وقال ابن كثير: حديث غريب جدا (?).
11 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» حديث صفية بنت
شيبة أنها
قالت:
ولد لي، فأسميته محمدًا، وأكنيته أبا القاسم، فسألت
عائشة، فقالت: جاءت امرأة رجل من الأنصار فقالت: يا رسول الله، ولد لي غلام،
فسميته محمدا وأكنيته أبا القاسم، فبلغني أنك تكرهه؟ فقال: «ما أحل اسمي وحرم
كنيتي» أو «أحل كنيتي وحرم اسمي».
ثم قال البخاري معلاّ هذا الحديث: تلك الأحاديث أصح:
«سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي».
فالبخاري رأي حديث صفية بنت شيبة الذي فيه إقرار التكنية
بأبي القاسم، والتعجب من تحريمها، يناقض الأحاديث الصحيحة التي فيها النهي عن ذلك.
ومن هذه الأحاديث الصحيحة حديث أنس رضي الله عنه قال:
دعا رجل بالبقيع: يا أبا القاسم! فالتفت إليه النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: لم
أعنك. قال: «سموا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي» متفق عليه (?).
وحديث جابر رضي الله عنه قال: ولد لرجل منا غلام، فسماه
القاسم، فقالوا: لا نكنيه حتي نسأل النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: «سمّوا باسمي
ولا تكتنوا بكنيتي» متفق عليه
(?).
أما حديث صفية بنت شيبة فقد أخرجه أبو داود (?) قال:
حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن عمران الحجبي عن جدته صفية بنت شيبة عن عائشة رضي
الله عنها قالت: جاءت امرأة إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فقالت: يا رسول
الله، إني قد ولدت غلاما، فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك، فقال:
«ما الذي أحل اسمي وحرم كنيتي» أو «ما الذي حرم كنيتي وأحلّ اسمي».
وهذا سند ضعيف، فمحمد بن عمران الحجبي مجهول كما قال ابن
حجر (?)، وقد استنكر حديثه هذا. قال الذهبي: له حديث، وهو منكر، وما رأيت لهم فيه
جرحًا ولا تعديلا (?).
12 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث أبي
موسي رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: «إن أمتي أمة مرحومة، جعل
عذابها بأيديها في الدنيا»، ثم ذكر طرق هذا الحديث، ثم قال معلاّ هذا الحديث:
والخبر عن النبي صلي الله عليه وسلم في الشفاعة، وأن قوما يعذّبون ثم يخرجون أكثر
وأبين وأشهر. وقال مثل هذا في «التاريخ الأوسط» (?).
وحديث أبي موسي أخرجه أبو داود (?) قال: حدثنا عثمان بن
أبي شيبة حدثنا كثير بن هشام حدثنا المسعودي عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي
موسي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أمتي هذه أمة مرحوم ليس عليها عذاب
في الآخرة، عذابها في الدنيا الفتن والزلازل والقتل». ورواه عبد بن حميد في مسنده
(?) من طريق طلحة بن يحيى عن أبي بردة عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه
وسلم: «إن هذه الأمة أمة مرحومة عذابها بأيديها».
وسند أبي داود ضعيف لأجل المسعودي عبد الرحمن بن عبد
الله فقد اختلط، وكثير بن هشام ممن روى عنه بعد الاختلاط فيما يفهم من كلام الأئمة
في ترجمة المسعودي (?).
والحديث ضعيف لاضطراب أسانيده (?) كما أشار إليه البخاري
في
«التاريخ الكبير» (?). وذكر في «التاريخ الأوسط» (?)
جملة من طرقه وقال: وفي أسانيدها نظر.
ومتنه يناقض الأحاديث الصحيحة الكثيرة في الشفاعة وإخراج
الموحدين من النار كما نبّه عليه البخاري.
ومن هذه الأحاديث حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن
النبي صلي الله عليه وسلم قال: «يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ثم يقول
الله تعالي: أخرجوا من النار من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، فيخرجون منها
قد اسودّوا، فيلقون في نهر الحيا أو الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في جانب السيل،
ألم تر أنها تخرج صفراء ملتوية» متفق عليه (?).
وفي إحدي روايات مسلم (?) لهذا الحديث: «حتي إذا خلص
المؤمنون من النار، فو الذي نفسي بيده! ما من أحد منكم بأشد مناشدة لله في استيفاء
الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم الذين في النار يقولون: ربنا كانوا
يصومون معنا ويصلّون ويحجون. فيقال لهم: أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم علي النار، فيخرجون
خلقا كثيرا قد أخذت النار إلي نصف ساقيه وإلي ركبتية. ثم يقولون: ربنا ما بقي فيها
أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه،
فيخرجون خلقا كثيرا. ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا. ثم يقول:
ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا. ثم
يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحدًا. ثم
يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير
فأخرجوه، فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيرا» الحديث.
والأحاديث في إخراج الموحدين من النار بعد دخولهم فيها
متواترة كما صرح بذلك جمع من العلماء
(?).
وهذا ما جعل البخاري يعلّ حديث أبي موسي: «أمتي هذه أمة
مرحومة ليس عليها عذاب في الآخرة» لمخالفة متنه ما في تلك الأحاديث المتواترة من
إثبات دخول بعض المسلمين النار.
13 - وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (?): قال لي عبد
الله بن محمد: حدثنا هشام قال: حدثنا معمر عن ابن أبي ذئب عن الزهري أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال: «ما أدري أعزير نبيا كان أم لا، وتبّع لعينا كان أم لا،
والحدود كفارات لأهلها أم لا».
ثم قال: وقال عبد الرزاق: عن معمر عن ابن أبي ذئب عن
سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم والأول أصح. ولا يثبت هذا عن النبي
صلي الله عليه وسلم؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «الحدود كفارة».
والرواية الموصولة التي أشار إليها البخاري رواها أبو
داود (?) قال: حدثنا محمد بن المتوكل العسقلاني ومخلد بن خالد الشعيري، المعني،
قال: حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن أبي سعيد عن أبي
هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما أدري أتبع لعين هو أم لا، وما
أدري أعزير نبي هو أم لا».
ورواه الحاكم في «مستدركه» (?) من طريق أحمد بن حنبل
ومحمد بن رافع ومحمد بن يحيى ثلاثتهم عن عبد الرزاق به بلفظ: «ما أدري تبع أنبيا
كان أم لا، وما أدري ذا القرنين أنبيا كان أم لا، وما
أدري الحدود كفارات لأهلها أم لا».
وقد رجح غير واحد من الأئمة الوجه المرسل الذي رواه هشام
بن يوسف الصنعاني عن معمر، علي الوجه الموصول الذي رواه عبد الرزاق عن معمر؛
تقديما لهشام علي عبد الرزاق.
وقد سئل أبو زرعة الرازي عن هشام وعبد الرزاق ومحمد بن
ثور فقال: كان هشام أكبرهم وأحفظهم وأتقن (?).
وذكر الذهبي في ترجمة هشام أنه من أقران عبد الرزاق لكنه
أجل وأتقن (?). ولهذا رجح البخاري هنا الوجه المرسل. وممن رجح الإرسال أيضا
الحنائي في «فوائده» (?).
فالحديث ضعيف لإرساله؛ ولمخالفة متنه الحديث الصحيح حديث
عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله صلي الله عليه وسلم في رهط فقال:
«أبايعكم علي أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا
أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف. فمن
وفي منكم فأجره علي الله. ومن أصاب من ذلك شيئا فأخذ به في الدنيا فهو كفارة له
وطهور. ومن ستره الله فذلك إلي الله إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له» متفق عليه (?).
فقد أفاد هذا الحديث أن الحدود كفارة. وقد جزم كثير من
العلماء بأن حديث عبادة هذا كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلي
الله عليه وسلم البيعة الأولي بمني، وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام
خيبر، فكيف ينقل عن النبي صلي الله عليه وسلم نفيه العلم بأن الحدود كفارة (?)؟!
وممن أعلّ الحديث بحديث عبادة ابن عبد البر فقال: حديث
عبادة بن الصامت عن النبي صلي الله عليه وسلم فيه أن الحدود كفارة، وهو أثبت وأصح
إسنادا من حديث أبي هريرة هذا
(?).
14 - وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (?) في ترجمة
عائذ بن حبيب قال: حدثني يوسف بن راشد حدثنا عائذ بن حبيب بياع الهروي حدثنا حميد
عن أنس بن مالك أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي نخامة في المسجد، فاحمرّ وجهه،
فحكتها امرأة، وجعلت خلوقا، فقال: «ما أحسن هذا!».
ثم قال البخاري: وروى إسماعيل بن جعفر وحفص عن حميد ولم
يقولا «الخلوق»، وقالا: «حكه النبي صلي الله عليه وسلم بيده». وهذا أصح.
فرأي البخاري أن رواية عائذ بن حبيب عن حميد تخالف رواية
بقية الرواة عن حميد، ففي رواية عائذ أن امرأة هي التي حكت النخامة، وأنها جعلت
مكانها خلوقا، وفي رواية بقية الرواة عن حميد أن الذي حك النخامة هو النبي صلي
الله عليه وسلم، ولم يذكروا الخلوق. والحديث مخرجه واحد، ولا يمكن قبول هاتين الروايتين
معا لما فيهما من التعارض، ولهذا رجح البخاري رواية الأكثر علي رواية عائذ.
ورواية عائذ أخرجها النسائي (?) قال: أخبرنا إسحق بن إبراهيم
قال: حدثنا عائذ بن حبيب قال: حدثنا حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: رأي رسول
الله صلي الله عليه وسلم نخامة في قبلة المسجد، فغضب حتي احمرّ وجهه، فقامت امرأة
من الأنصار، فحكتها وجعلت مكانها خلوقا، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «ما
أحسن هذا».
وأخرجها ابن ماجه (?) عن محمد بن طريف عن عائذ به.
وأما رواية بقية الرواة عن حميد فرواية إسماعيل بن جعفر
عن حميد رواها البخاري (?) قال: حدثنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس
أن النبي صلي الله عليه وسلم رأي نخامة في القبلة، فشقّ ذلك عليه حتي رؤي في وجهه،
فقام فحكه بيده، فقال: «إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه
وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه»، ثم أخذ طرف
ردائه فبصق فيه، ثم ردّ بعضه علي بعض، فقال: «أو يفعل هكذا».
وتابع إسماعيل بن جعفر في روايته هذا عن حميد كل من: حفص
بن غياث عند ابن أبي شيبة (?)، وزهير بن معاوية عند البخاري (?)، وسفيان عند البخاري
والحميدي، ويزيد بن هارون عند أحمد والدارمي، ومحمد بن عبد الله بن المثني عند
أحمد، وحماد بن سلمة عند أبي داود
(?).
ولا شك أن رواية هؤلاء - وهم أكثر عددا وحفظا - مقدمة
علي رواية عائذ بن حبيب عند الاختلاف، وقد قال ابن حجر فيه: صدوق (?).
القسم الثاني: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها ما صح من رواية أصحابها أنفسهم
وإعلال الحديث بهذه العلة من قواعد المحدثين. قال ابن
رجب: قاعدة في تضعيف أحاديث رويت عن بعض الصحابة، والصحيح عنهم رواية ما يخالفها،
ثم ذكر أمثلة علي هذه القاعدة
(?).
وقد عمل البخاري بهذه القاعدة:
1 - فقد روى في «التاريخ الكبير» (?) حديثا من طريق أفلت
بن خليفة عن جسرة بنت دجاجة عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلي الله عليه وسلم
أنه قال: «لا أحلّ المسجد لحائض ولا لجنب إلا لمحمد وآل محمد».
ثم أشار إلي ضعف هذا الحديث لمخالفته حديث عائشة الآخر
عن النبي صلي الله عليه وسلم، فقال: وقال عروة وعباد بن عبد الله عن عائشة عن
النبي صلي الله عليه وسلم: «سدّوا هذه الأبواب إلا باب أبي بكر».
ثم قال البخاري: وهذا أصح.
وحديث جسرة أخرجه إسحاق بن راهويه في «مسنده» (?) قال:
أخبرنا أبو هشام المخزومي حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أفلت بن خليفة قال:
حدثتني جسرة بنت دجاجة قالت: سمعت أم المؤمنين تقول: قام
رسول الله صلي الله عليه وسلم فينا، ووجوه بيت أصحابه إلي المسجد فقال: «وجّهوا
هذه البيوت عن المسجد». قال: ثم دخل فمكث ما شاء الله أن يمكث فلم يوجّهوها؛ رجاء
أن يقول لهم رخصا. قالت: ثم خرج رسول الله صلي الله عليه وسلم فنادي بصوته: «وجهوا
هذه البيوت عن المسجد؛ فإني لا أحلّ المسجد لحائض ولا جنب إلا لمحمد وآل محمد صلي
الله عليه وسلم».
فالبخاري رأي حديث جسرة الذي يستثني محمدا صلي الله عليه
وسلم وآله ولم يستثن أبا بكر مخالفا حديث عائشة الآخر الذي يستثني أبا بكر وحده.
وكلا الحديثين مروي عن عائشة، فلو أنها روت الحديثين بالفعل لبينت حين ذكرت أحدهما
المستثني الآخر الذي جاء في حديثها الآخر؛ لكنها لم تفعل فدلّ ذلك علي أنها لم ترو
حديث جسرة.
فأما حديث عروة عن عائشة الذي ذكره البخاري فقد رواه
الترمذي (?)، والدارمي (?)، وعبد الله بن أحمد (?) واللفظ له، وابن حبان في
«صحيحه» (?)، وابن عساكر في «تاريخه»
(?) من طرق عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله
صلي الله عليه وسلم قال: «سدّوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر».
وأما حديث عباد بن عبد الله عن عائشة الذي ذكره البخاري
هنا فقد ذكره البخاري بسنده ومتنه في ترجمة أيوب بن بشير الأنصاري في «التاريخ
الكبير» (?) فقال: وقال إسحاق: حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن
سالم عن الزبيدي عن الزهري عن أيوب بن بشير الأنصاري عن
عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال - واشتد
وجعه -: «أهريقوا عليّ من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن؛ لعلّي أعهد إلي الناس. وسدّوا
هذه الأبواب إلا باب أبي بكر».
وحديث سد الأبواب غير باب أبي بكر أخرجه البخاري في
صحيحه (?) من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وأخرجه بعده مباشرة من حديث ابن عباس،
وكلّ من الحديثين أصح من حديث عائشة؛ لكنه لم يذكر هنا حديث أبي سعيد ولا حديث ابن
عباس، وإنما ذكر حديث عائشة ليعلّ به حديث جسرة التي ترويه عن عائشة أيضًا بإظهار
ما بينهما من تناقض لا يصدر عادة من الراوي الثقة.
وحديث جسرة مختلف في ثبوته، فضعّفه جمع من العلماء، ومن هؤلاء
من ضعّفه لأجل أفلت بن خليفة راوية عن جسرة (?)، ومنهم من ضعّفه لأجل جسرة (?).
وقد روى البيهقي (?) أن البخاري قال في هذا الحديث: ولا
يصح هذا عن النبي صلي الله عليه وسلم.
والذي يعنينا هنا هو حكم هذا الحديث عند البخاري، وسببه.
ولم أجد أحدا من العلما أعلّ حديث جسرة من حيث المتن سوي البخاري. وهذا يدلّ دلالة
واضحة علي عنايته الكبيرة بنقد المتن.
2 - وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (?) قال: حدثني
محمد بن
عبد الله القطعي قال: حدثني إبراهيم بن صالح بن درهم عن
مسلمة بن سالم - ثم لقيت مسلمة - عن صالح بن درهم عن أبي سعيد الخدري قال: قال
النبي صلي الله عليه وسلم: «إذا قال المؤذن الله أكبر؛ فقلت: أنا أشهد أن محمدا
رسول الله؛ حرمك الله علي النار».
ثم قال البخاري: وفيه نظر. حدثنا عبد الله بن يوسف قال:
أخبرنا مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلي
الله عليه وسلم قال: «إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن». هذا أصح.
وهذا سند ضعيف أعني حديث صالح بن درهم عن أبي سعيد؛
فإبراهيم بن صالح بن درهم ضعيف (?)، ومسلمة بن سالم ضعيف (?).
وبيّن البخاري أن متن هذا الحديث يخالف حديث أبي سعيد
الذي رواه في «صحيحه» (?) ففيه أمر سامع المؤذن بأن يقول مثل ما يقول، أما حديث صالح بن
درهم عن أبي سعيد ففيه أن السامع يقول غير ما يقوله المؤذن، فإذا قال المؤذن: الله
أكبر قال السامع: أنا أشهد أن محمدًا رسول الله. وكلا الحديثين مروي عن الصحابي نفسه،
ولهذا أعلّ البخاري الحديث بمناقضة متنه متن الحديث الصحيح.
3 - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) في ترجمة عبد
الواحد بن ميمون أنه منكر الحديث يروي عن عائشة مرفوعا: «الغسل يوم الجمعة واجب».
قال البخاري: والمعروف عن عروة وعمرة عن عائشة: كان الناس عمّال أنفسهم، فقيل لهم: «لو اغتسلتم».
وحديث عائشة أخرجه البزار (?) قال: حدثنا محمد بن المثني
حدثنا أبو عامر عبد الملك بن عمرو حدثنا عبد الواحد بن ميمون - وهو رجل من أهل
المدينة يكني أبا حمزة - عن عروة عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «من
أتي الجمعة فليغتسل».
ورواه العقيلي (?) من طريق أحمد بن سعيد الدارمي عن أبي
عامر العقدي به بلفظ: «الغسل يوم الجمعة علي من شهد الجمعة»، وقال العقيلي عقبه:
لا يحفظ هذا اللفظ إلا في هذا الحديث. وفي غسل الجمعة أحاديث ثابتة صحاح بألفاظ
مختلفة.
ورواه أبو نعيم (?) من طريق العباس بن يزيد عن أبي عامر
العقدي به بلفظ: «من لزمته الجمعة فليغتسل. والجمعة علي من آواه الليل».
وهذا الحديث ضعيف جدا لأجل عبد الواحد بن ميمون فإنه
شديد الضعف. قال ابن حبان (?): يروي الموضوعات عن الأثبات، يحدث عن عروة بن الزبير بما ليس من
حديثه فبطل الاحتجاج بروايته. وقال الدارقطني: متروك، صاحب مناكير (?).
وهذا الحديث من مناكيره. ومما يدل علي أن هذا الحديث ليس
له أصل عن عائشة رضي الله عنها أنه يخالف ما ثبت من روايتها عن رسول الله صلي الله
عليه وسلم في ذلك ما لا يدلّ علي الوجوب كما بيّن البخاري رحمه الله.
ففي الصحيحين (?) من طريق عروة قال: قالت عائشة رضي الله
عنها: كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم
عمال أنفسهم، وكان يكون لهم أرواح (?) فقيل لهم: «لو
اغتسلتم».
وفي الصحيحين (?) أيضا من طريق يحيى بن سعيد أنه سأل
عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة رضي الله عنها: كان الناس مهنة
أنفسهم، وكانوا إذا راحوا إلي الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: «لو اغتسلتم».
4 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث محمد بن
سعد الأنصاري عن أبيه أنه رأي أنسا يمسح علي خفيه، وقال: خدمت النبي صلي الله عليه
وسلم تسع سنين، ففعله. ثم أعلّ البخاري هذا الحديث بحديث يحيى بن أبي إسحاق أنه
سمع أنسا يقول: لم أر النبي صلي الله عليه وسلم يمسح، حدّثوني عنه. قال البخاري:
وهذا أصح.
أما حديث الأنصاري فأخرجه ابن أبي شيبة (?) قال: حدثنا مالك بن
إسماعيل حدثنا زهير حدثنا وهب بن عقبة عن محمد بن سعد الأنصاري عن أبيه عن أنس رضي
الله عنه أنه أتي المهراس (?)، فبال قائما، ثم توضّأ ومسح علي خفّيه، ثم توجّه إلي
المسجد. فقلت له: لقد فعلت شيئا يكره!. فقال: خدمت رسول الله تسع سنين يفعل ذلك.
وأخرجه الضياء المقدسي في «الأحاديث المختارة» (?) من
طريق سمويه عن مالك به.
وهذا سند ضعيف لجهالة الراوي عن أنس. وهو يخالف ما ثبت
عن أنس أنه لم ير النبي صلي الله عليه وسلم يمسح علي خفيه، وأن أصحابه هم الذين
أخبروه بذلك كما بيّن البخاري.
فقد روى ابن أبي شيبة (?) قال: حدثنا ابن علية عن يحيى
بن أبي إسحاق أنه سمع أنس بن مالك سئل عن المسح علي الخفين، فقال: امسح عليهما.
فقالوا له: أسمعته من النبي صلي الله عليه وسلم؟ قال: لا، ولكني سمعته ممن لا يتهم من
أصحابنا، يقولون: المسح علي الخفين وإن صنع كذا وكذا، لا يكني.
وأخرجه أحمد بن منيع في مسنده (?) عن ابن علية به بنحوه.
وهذا سند صحيح عن أنس رضي الله عنه، فابن علية هو
إسماعيل بن إبراهيم ثقة حافظ (?)، ويحيى ابن أبي
إسحاق هو النحوي الحضرمي ثقة صاحب قرآن وعربية (?).
وبهذا الحديث الثابت عن أنس أعلّ البخاري أيضا حديث زياد
بن عبيدة أنه سمع أنسا يقول: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يمسح. قال البخاري
عقبه: ولا يصح؛ قال يحيى بن أبي إسحاق عن أنس: لم أر النبي صلي الله عليه وسلم
يمسح (?).
وحديث زياد أخرجه أحمد بن منيع في مسنده (?) قال: حدثنا
مروان بن معاوية حدثنا زياد بن عبيدة أو عبيدة - شك أحمد بن منيع - أخبرنا أنس بن
مالك رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في مسير فقام بالغلس،
وقال: «يا أنس، في إداوتك ماء؟». قلت: نعم. قال: فتنحي فبال، وصببت عليه الماء فتوضأ،
فلما أراد أن يمسح طأطأت ظهري لأنظر ما يصنع، فقال: «هو ما تري»، ومسح علي خفيه.
وهذا سند ضعيف لأجل زياد بن عبيدة؛ فإنه مجهول. قال أبو
حاتم الرازي: هو مجهول والحديث الذي رواه باطل (?).
وبذلك الحديث الثابت عن أنس أعلّ البخاري أيضا حديث عبد
العزيز بن مسلم فقد ذكر في ترجمته في «التاريخ الكبير» (?) ما حدث به ابن وهب عن
معاوية عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس رضي الله عنه: رأيت النبي صلي
الله عليه وسلم مسح.
قال البخاري: وقال يحيى بن أبي إسحاق عن أنس رضي الله
عنه: لم أر النبي صلي الله عليه وسلم مسح. وهذا أصح.
ثم قال البخاري في الترجمة التي تلي السابقة (?): قال
نعيم حدثنا ابن وهب عن معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس
رضي الله عنه: رأيت النبي صلي الله عليه وسلم مسح علي خفيه. ولم يصح.
ولم أجد من أخرج رواية أبي معقل عن أنس في المسح علي
الخفين، وإنما وجدت من أخرج من هذه الطريق نفسها حديث مسح مقدم الرأس من تحت
العمامة.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود (?) قال: حدثنا أحمد بن صالح
حدثنا ابن وهب حدثني معاوية بن صالح عن عبد العزيز بن مسلم عن أبي معقل عن أنس بن
مالك قال: رأيت رسول الله صلي الله عليه وسلم يتوضأ، وعليه عمامة قطرية، فأدخل يده
من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة.
وأخرجه ابن ماجه (?) عن أحمد بن عمرو بن السرح عن عبد
الله بن وهب به.
وهذا سند ضعيف؛ فأبو معقل مجهول (?)، وكذلك الرواي عنه (?).
5 - وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (?) في ترجمة صالح
بن محمد بن زائدة: منكر الحديث يروي عن سالم عن ابن عمر عن عمر رفعه: «من غلّ
فأحرقوا متاعه». وقال ابن عباس عن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم في الغلول،
ولم يحرق.
وذكر الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فقال: إنما
روى هذا صالح بن محمد بن زائدة، وهو أبو واقد الليثي، وهو منكر الحديث. قال محمد
يعني البخاري: وقد روي في غير حديث عن النبي صلي الله عليه وسلم في الغالّ،
فلم يأمر فيه بحرق متاعه.
فالبخاري أعلّ حديث صالح الذي فيه الأمر بتحريق الغال بمخالفته
الحديث الصحيح في تحريم الغلول وبيان شدة قبحه؛ إذ ليس فيه ذكر تحريق متاع الغال،
وهو من رواية عمر رضي الله عنه نفسه الذي روي عنه حديث التحريق.
وحديث عمر الذي أشار إليه البخاري رواه مسلم (?) من طريق
أبي زميل الحنفي قال: حدثني عبد الله بن عباس قال: حدثني عمر بن الخطاب قال: لما كان يوم خيبر
أقبل نفر من صحابة النبي صلي الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد، فلان شهيد، حتي مروا علي
رجل فقالوا: فلان شهيد. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «كلا، إني رأيته في
النار؛ في بردة غلّها أو عباءة».
ثم قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «يا ابن الخطاب،
اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون». قال: فخرجت، فناديت: ألا إنه
لا يدخل الجنة إلا المؤمنون.
وأما حديث صالح الذي أعلّه البخاري هنا فقد رواه أبو
داود (?)، والترمذي (?) واللفظ له من طريق عبد العزيز بن محمد عن صالح بن محمد بن
زائدة عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر عن عمر أن رسول الله صلي الله عليه
وسلم قال: «من وجدتموه غلّ في سبيل الله فأحرقوا متاعه». قال صالح: فدخلت علي مسلمة، ومعه
سالم بن عبد الله، فوجد رجلا قد غلّ فحدّث سالم بهذا الحديث، فأمر به فأحرق متاعه،
فوجد في متاعه مصحف، فقال سالم: بع هذا، وتصدق بثمنه.
وهذا سند ضعيف لأجل صالح بن محمد بن زائدة فإنه ضعيف
(?)، وعدّ العلماء هذا الحديث من منكراته، ومنهم البخاري كما تقدم. قال الدارقطني:
أنكروا هذا الحديث علي صالح بن محمد، وهذا حديث لم يتابع عليه، ولا أصل لهذا
الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم (?).
6 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث الزبير
بن الشعشاع عن أبيه أنه سمع عليا يقول: كل لحوم الحمر الأهلية.
ثم قال البخاري: ولا يصح؛ لأن عليا روى أن النبي صلي
الله عليه وسلم نهي عنه.
وقد روى حديث الزبير بن الشعشاع العقيلي (?) فقال: حدثنا
بهذا الحديث محمد بن إسماعيل الصايغ قال: حدثنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا طلحة
بن الحسين العبدي قال: حدثنا الزبير بن الشعشاع أبو خثرم الشني عن أبيه قال: سألت عليا
عن أكل لحوم الحمر الأهلية فقال علي: كلها، هكذا وهكذا وهكذا.
وهذا سند ضعيف، فالزبير بن الشعشاع مجهول الحال، ذكر
البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا (?)، وذكره العقيلي في
ضعفائه (?). وأبوه مجهول أيضا.
قال ابن حجر منتقدا الذهبي في عدم ذكره الشعشاع في
«ميزانه»: ذكر الشعشاع في الضعفاء أولي (?) يعني من ذكر ابنه. وطلحة بن الحسين
العبدي لم أجد له ترجمة.
وقد أعلّ البخاري الحديث بمخالفته ما ثبت عن علي رضي الله
عنه من روايته تحريم لحوم الحمر الأهلية عن النبي صلي الله عليه وسلم، وما كان علي
ليخالف نهي النبي صلي الله عليه وسلم عنها ويفتي بخلافه.
ففي الصحيحين (?) من طريق محمد بن علي أن عليا رضي الله
عنه قال لابن عباس: إن النبي صلي الله عليه وسلم نهي عن المتعة، وعن لحوم الحمر
الأهلية زمن خيبر.
7 - وأعلّ البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر الذي أخرجه ابن
أبي شيبة في «مصنفه» (?) فقال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن حصين عن مجاهد قال: ما رأيت ابن عمر
يرفع يديه إلا في أول ما يفتتح.
وهذا سند ضعيف؛ لأن أبا بكر بن عياش راويه ساء حفظه
بأخرة كما قال ابن حجر
(?).
وقد ضعّف الحديث بهذه العلة صدقة بن الفضل شيخ البخاري
فيما نقله عنه البخاري موافقا إياه فيه
(?).
وممن ضعّف هذا الحديث البيهقي: وذكر أن أبا بكر بن عياش
كان يرويه في القديم عن حصين عن إبراهيم عن ابن مسعود مرسلا وموقوفا، ثم اختلط
عليه حين ساء حفظه فصار يرويه عن حصين عن مجاهد عن ابن عمر مخالفا فيه الصواب (?).
قال البخاري في جزء رفع اليدين في الصلاة (?) بعد أن روى
عن نافع أن ابن عمر كان إذا رأي رجلا لا يرفع يديه إذا ركع وإذا رفع رماه بالحصي
قال: ألا تري أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يرمي من لا يرفع يديه بالحصي، فكيف
يترك ابن عمر شيئا يأمر به غيره وقد رأي النبي صلي الله عليه وسلم فعله. ثم نقل البخاري
عن يحيى بن معين قوله: حديث أبي بكر عن حصين إنما هو توهم لا أصل له.
وقال البخاري أيضا: ولو تحقق حديث مجاهد أنه لم ير ابن
عمر رفع يديه لكان حديث طاوس، وسالم، ونافع، ومحارب بن دثار، وأبي الزبير حين رأوه
أولي؛ لأن ابن عمر رضي الله عنهما رواه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلم يكن
يخالف الرسول صلي الله عليه وسلم مع ما رواه أهل مكة والمدينة واليمن والعراق أنه
كان يرفع يديه (?).
فمما أعلّ به البخاري حديث مجاهد عن ابن عمر مناقضة متنه
ما ثبت عن ابن عمر من وجوه كثيرة صحيحة تثبت عن ابن عمر ما نفاه حديث مجاهد عنه.
وهو أيضا يخالف ما رواه ابن عمر نفسه عن النبي صلي الله
عليه وسلم في ذلك، وما كان ابن عمر ليخالف سنة النبي صلي الله عليه وسلم، وهو الذي
يرويها ويأمر بها.
ففي الصحيحين (?) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول
الله صلي الله عليه وسلم كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبّر
للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضا وقال: سمع الله لمن حمده ربنا
ولك الحمد. وكان لا يفعل ذلك في السجود.
القسم الثالث: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها عمل الصحابة
لا يتصور أن يوجد حديث صحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم
يترك الصحابة جميعا العمل به، وهم مخاطبون به، فالأمة وفي مقدمتهم الصحابة لا
تجتمع علي ضلالة، فإذا روي حديث بهذه الصفة فهو حديث لا أصل له. وقد استعمل
البخاري هذه القاعدة في ردّ بعض الأحاديث.
فقد قال في «التاريخ الأوسط» (?): وروى حماد بن سلمة عن
علي بن زيد عن أبي نضرة أن معاوية لما خطب علي المنبر، فقام رجل، فقال - قال ورفعه
-: «إذا رأيتموه علي المنبر فاقتلوه». وقال آخر: اكتبوا إلي عمر، فكتبوا، فإذا عمر
قد قتل.
وهذا مرسل (?)؛ لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام.
ثم قال البخاري مضعّفا هذا الحديث: وقد أدرك أصحاب النبي
صلي الله عليه وسلم معاوية أميرًا في زمان عمر، وبعد ذلك عشرين سنة، فلم يقم إليه
أحد، فيقتله. وهذا مما يدل علي أن هذه الأحاديث ليس لها أصول، ولا يثبت عن
النبي صلي الله عليه وسلم خبر علي هذا النحو في أحد من
أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم، إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في بعض إلا ما يذكر
أنهم ذكروا في الجاهلية، ثم أسلموا، فمحا الإسلام ما كان قبله.
فقد عرض البخاري الحديث علي عمل الصحابة، فلم يجد أحدًا
منهم عمل به، فاستدلّ بذلك علي بطلان الخبر؛ إذ لو كان ثابتا عندهم لبادروا إلي
تنفيذه.
وقد سبقه إلي هذا الاستدلال الأوزاعي؛ فقد قال: أدركت
خلافة معاوية عدة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، منهم سعد، وأسامة،
وجابر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد، ورافع بن خديج، وأبو
أمامة، وأنس بن مالك، ورجال أكثر ممن سمينا بأضعاف مضاعفة، كانوا مصابيح الهدى
وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله، وأخذوا عن رسول الله صلي الله عليه وسلم تأويله،
ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله منهم المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود
بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير وعبد الله بن محيريز، في أشباه
لهم، لم ينزعوا يدا عن مجامعة في أمة محمد صلي الله عليه وسلم (?).
وقال ابن كثير: وهذا الحديث كذب بلا شك. ولو كان صحيحا
لبادر الصحابة إلي فعل ذلك؛ لأنهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم (?).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن قرر أن هذا الحديث
عند أهل المعرفة بالحديث كذب موضوع مختلق علي النبي صلي الله عليه وسلم: ومما
يبيّن كذبه أن منبر النبي صلي الله عليه وسلم قد صعد عليه بعد معاوية من كان
معاوية خيرا منه باتفاق المسلمين، فإن كان يجب قتل من صعد عليه لمجرد الصعود علي
المنبر وجب قتل هؤلاء كلهم. ثم هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين
الإسلام؛ فإن مجرد صعود المنبر لا يبيح قتل مسلم. وإن
أمر بقتله لكونه تولّي الأمر وهو لا يصلح فيجب قتل كل من تولي الأمر بعد معاوية
ممن معاوية أفضل منه. وهذا خلاف ما تواترت به السنن عن النبي صلي الله عليه وسلم من
نهيه عن قتل ولاة الأمور وقتالهم. ثم الأمة متفقة علي خلاف هذا؛ فإنها لم تقتل كل
من تولي أمرها، ولا استحلّت ذلك. ثم هذا يوجب من الفساد والهرج ما هو أعظم من ولاية
كل ظالم، فكيف يأمر النبي صلي الله عليه وسلم بشيء يكون فعله أعظم فسادا من تركه؟! (?).
والحديث رواه ابن عدي (?) من طريق حماد بن سلمة عن علي
بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «إذا
رأيتم معاوية علي هذه الأعواد فاقتلوه» فقام إليه رجل من الأنصار، وهو يخطب،
بالسيف، فقال أبو سعيد: ما تصنع؟ قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول:
«إذا رأيتم معاوية يخطب علي الأعواد فاقتلوه». فقال له أبو سعيد: إنا قد سمعنا ما
سمعت، ولكنا نكره أن نسلّ السيف علي عهد عمر حتي نستأمره. فكتبوا إلي عمر ذلك،
فجاء موته قبل أن يجيء جوابه.
وقد رواه جماعة عن علي بن زيد به، كما ذكر الذهبي (?).
وآفة هذا الإسناد علي بن زيد بن جدعان فقد صرح جمهور
النقاد بأنه ضعيف (?). وذكر ابن عدي أنه كان يغالي في التشيع (?). وهذا الحديث يؤيد
بدعته، وهو من منكراته التي أنكرها عليه الأئمة (?)، بل ذكر بعض النقاد أن
هذا الحديث هو أنكر ما رواه (?). وقد حكم كثير من
العلماء علي هذا الحديث بأنه موضوع، منهم - غير من تقدم - الجوزقاني فقد قال: هذا
حديث موضوع باطل لا أصل له في الأحاديث. وليس هذا إلا من فعل المبتدعة الوضّاعين،
خذلهم الله في الدارين. من اعتقد هذا وأمثاله أو خطر بباله أن هذا مما جري علي
لسان رسول الله صلي الله عليه وسلم فهو زنديق، خارج من الدين (?).
ومنهم ابن الجوزي في «الموضوعات» (?)، وابن القيم؛ إذ
ذكر أن كل حديث في ذم معاوية كذب (?)، والسيوطي (?)، وابن عراق فقد ذكره في
الأحاديث التي لم يخالف ابن الجوزي في الحكم عليها بالوضع (?)، والشوكاني (?)،
والألباني (?).
القسم الرابع: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متوناه رأي من رواها ومذهبه
إن إعلال الحديث بهذه العلة قاعدة سار عليها كثير من
الأئمة النقاد. قال ابن رجب: قاعدة في تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه،
قد ضعف الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا. ثم ذكر أمثله هذه القاعدة (?).
وقد عمل البخاري بهذه القاعدة.
1 - فقد روى في «التاريخ الأوسط» (?) قال: حدثنا عبد
الله قال: حدثني الليث عن يونس عن الزهري: سمعت ابن أكيمة يحدّث عن سعيد بن المسيب
يقول: سمعت أبا هريرة يقول: صلّي لنا النبي صلي الله عليه وسلم صلاة جهر فيها،
قال: «ما لي أنازع القرآن»، فانتهي الناس عن القراءة فيما جهر الإمام. قال البخاري: وقوله: «فانتهي»
هو من كلام الزهري.
ثم روى من طريق الأوزاعي عن الزهري: فاتّعظ الناس بذلك،
فلم يكونوا يقرؤون فيما جهر. قال البخاري: وأدرجوه في حديث النبي صلي الله عليه
وسلم، وليس هو في حديث أبي هريرة.
والمعروف عن أبي هريرة أنه كان يأمر
بالقراءة. ثم ذكر البخاري قول أبي السائب: قال لي أبو
هريرة: اقرأ بها في نفسك يا فارسي.
فالبخاري رجح الوجه الذي يفيد أن هذه الجملة مدرجة في
الحديث، وليست منه، بمخالفتها مذهب أبي هريرة راوي الحديث (?)، فقد كان يري وجوب
قراءة الفاتحة علي المأموم في الصلاة ولو كانت جهرية. فقد أخرج مسلم في صحيحه (?)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: «من صلّي صلاة لم يقرأ
فيها بأم القرآن فهي خداج - ثلاثا - غير تمام». فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء
الإمام! فقال: اقرأ بها في نفسك.
ورواه ابن ماجة (?) من طريق أبي السائب عن أبي هريرة به،
وفيه قول أبي السائب: فقلت: يا أبا هريرة، فإني أكون أحيانا وراء الإمام؟ فغمز
ذراعي، وقال: يا فارسي اقرأ بها في نفسك.
فيستبعد أن يروي أبو هريرة رضي الله عنه أن الناس انتهوا
عن القراءة خلف الإمام فيما جهر به، وهو يفتي بوجوبها. وهذا مما جعل البخاري يرجح
الطريق الأخرى التي بيّنت أن تلك الجملة من كلام الزهري، لا أبي هريرة.
والحديث أخرجه مالك في «الموطأ» (?) عن ابن شهاب عن ابن
أكيمة الليثي عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم انصرف من صلاة جهر فيها
بالقراءة، فقال: «هل قرأ معي منكم أحد آنفا؟». فقال رجل: نعم، أنا يا رسول الله.
قال: فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إني أقول ما لي أنازع
القرآن». فانتهي الناس عن القراءة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم فيما جهر فيه رسول
الله صلي الله عليه وسلم بالقراءة حين سمعوا ذلك من رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ومن طريق مالك أخرجه أبو داود (?)، والترمذي (?)، والنسائي (?).
وأما الرواية التي تبيّن الإدراج فقد أخرجها البيهقي في
سننه (?) من طريق الأوزاعي: حدثني الزهري عن سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول:
قرأ ناس مع رسول الله صلي الله عليه وسلم في صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما قضي
رسول الله صلي الله عليه وسلم أقبل عليهم، فقال: «هل قرأ معي منكم أحد؟». فقالوا:
نعم يا رسول الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «إني أقول ما لي أنازع
القرآن»، قال الزهري: فاتعظ المسلمون بذلك، فلم يكونوا يقرؤون.
قال ابن عبد البر: وأما قوله في هذا الحديث: «فانتهي الناس عن
القراءة» إلي آخر الحديث فأكثر رواة ابن شهاب عنه لهذا الحديث يجعلونه كلام ابن
شهاب، ومنهم من يجعله كلام أبي هريرة
(?).
وقال النووي: الحفاظ من المتقدمين والمتأخرين يتفقون علي
أن هذه الزيادة وهي قوله: «فانتهي الناس عن القراءة مع رسول الله صلي الله عليه
وسلم فيما جهر فيه» ليست من كلام أبي هريرة بل هي من كلام الزهري مدرجة في الحديث.
وهذا لا خلاف فيه بينهم. قال ذلك الأوزاعي ومحمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري وإمام
أهل نيسابور، وقاله البخاري في تاريخه، وأبو داود في سننه، والخطابي، والبيهقي،
وغير هم (?).
2 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث حسين بن
عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن أبي ذر رفعه في صلاة الضحي. ثم قال معلاّ هذا
الحديث: وقال الشعبي عن ابن عمر: صلاة الضحى بدعة، ونعمت البدعة. وهذا أصح.
وحديث حسين بن عطاء أخرجه البزار في مسنده (?) قال:
حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن المثنى وإبراهيم بن هانيء قالوا: حدثنا أبو عاصم قال:
حدثنا عبد الحميد بن جعفر قال: حدثنا حسين بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر قال:
قلت لأبي ذر: يا عماه أوصني. قال: سألتني كما سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم، فقال: «إن صليت الضحى
ركعتين لم تكتب من الغافلين، وإن صليت أربعا كنت من العابدين، وإن صليت ستا لم
يلحقك ذنب، وإن صليت ثمانيا كتبت من القانتين، وإن صليت ثنتي عشرة بني لك بيتا في
الجنة. وما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا ولله فيها صدقة يمنّ بها علي من يشاء من
عباده، وما منّ على عبد بمثل أن يلهمه ذكره».
قال البزار: وهذا الكلام لا نعلمه يروى عن النبي صلي الله
عليه وسلم إلا من هذا الوجه، ولا نعلم روى ابن عمر عن أبي ذر حديثا مسندا إلا هذا
الحديث.
وهذا سند ضعيف جدا، فالحسين بن عطاء قال فيه أبو حاتم
الرازي: شيخ منكر الحديث وهو قليل الحديث، وما حدّث به فمنكر (?). وقال أبو داود: ليس هو بشيء. وقال
ابن الجارود: كذاب (?). وقد قال أبو حاتم الرازي حين سأله
ولده عن هذه الطريق وطريق أخري لهذا الحديث: أيهما أشبه؟
فقال: جميعا مضطربين ليس لهما في الرواية معني (?).
ومما يدلّ علي أن هذا الحديث ليس له أصل عن ابن عمر أن
ابن عمر ثبت عنه أنه حين سئل عن صلاة الضحى أجاب بأنها بدعة، فلو كان روى عن أبي
ذر هذا الحديث في صلاة الضحى لم يحكم عليها بأنها بدعة، وهذا ما نبّه عليه البخاري
رحمه الله.
روى الشيخان في صحيحيهما (?) من طريق جرير عن منصور عن
مجاهد قال: دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما
جالس إلي حجرة عائشة وإذا ناس يصلّون في المسجد صلاة الضحى. قال: فسألنا عن
صلاتهم، فقال: بدعة.
وروى البخاري (?) من طريق توبة عن مورق قال: قلت لابن
عمر رضي الله عنهما: أتصلّي الضحي؟ قال: لا. قلت: فعمر؟ قال: لا. قلت: فأبو بكر؟ قال: لا، قلت:
فالنبي صلي الله عليه وسلم؟ قال: لا إخاله.
وروى ابن أبي شيبة في مصنفه (?) عن ابن علية عن الجريري
عن الحكم بن الأعرج قال: سألت ابن عمر عن صلاة الضحى، وهو مسند ظهره إلي حجرة النبي
صلي الله عليه وسلم، فقال: بدعة ونعمت البدعة.
وهذا سند صحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما، رجاله كلهم
ثقات.
3 - وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (?): وقال لي
مسدد: حدثنا
عيسي بن يونس عن هشام عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن
النبي صلي الله عليه وسلم قال: «من استقاء فعليه القضاء».
ثم قال البخاري: ولم يصح. ثم ذكر ما يؤيد عدم صحته، وهو
ما رواه عمر بن حكم بن ثوبان أنه سمع أبا هريرة قال: إذا قاء أحدكم فلا يفطر؛
فإنما يخرج ولا يولج.
أما الحديث المرفوع فأخرجه أبو داود (?) قال: حدثنا مسدد
حدثنا عيسي بن يونس حدثنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: قال رسول
الله صلي الله عليه وسلم: «من ذرعه قيء وهو صائم فليس عليه قضاء، وإن استقاء قليقض».
وأخرجه الترمذي (?) عن علي بن حجر عن عيسي بن يونس به.
وأخرجه ابن ماجه (?) من طريق الحكم بن موسي عن عيسي عن
هشام به، ومن طريق حفص بن غياث عن هشام به.
وسند هذا الحديث ظاهره الصحة لكن الأئمة ضعفوه، وعدّوه
من أوهام هشام بن حسان.
قال عيسي بن يونس: زعم أهل البصرة أن هشاما وهم فيه (?).
وقال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ليس من ذا شيء.
قال الخطابي: يريد أن الحديث غير محفوظ
(?).
ونقل الترمذي عن البخاري قوله في هذا الحديث: لا أراه
محفوظا (?).
وقال الترمذي: وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن أبي
هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم، ولا يصح إسناده (?).
ومما استدل به البخاري علي أن هذا الحديث ليس له أصل عن
أبي هريرة أنه يخالف ما ثبت عنه من القول بعدم الفطر بالقيء، فقد روى البخاري في
صحيحه (?) عن يحيى بن صالح قال: حدثنا معاوية بن سلام حدثنا يحيى عن عمر بن الحكم
بن ثوبان سمع أبا هريرة رضي الله عنه: إذا قاء فلا يفطر؛ إنما يخرج ولا يولج. فلو كان أبو هريرة
رضي الله عنه روى حديث «من استقاء فليقض» لم يفت بخلافه.
4 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) بعض طرق حديث
«أفطر الحاجم والمحجوم».
ثم ذكر أنه رواه ليث عن عطاء عن عائشة عن النبي صلي الله
عليه وسلم. قال البخاري: ولا يصح.
ثم ذكر ما يؤيد عدم صحته عن عائشة فقال: حدثني يحيى بن
سليمان قال: حدثنا ابن وهب أخبرنا مخرمة عن أبيه عن أم علقمة: كنا نحتجم عند عائشة
ونحن صيام وبنو أخي عائشة فلا تنهاهم. يريد أنه لو كانت عائشة رضي الله عنها روت حديث:
«أفطر الحاجم والمحجوم» لنهت من احتجم عندها عن ذلك أو ذكرت لهم الحديث. وسند هذا
الأثر حسن، وقد علّقه البخاري في صحيحه (?) جازما به.
وحديث عائشة أخرجه أحمد في مسنده (?) قال: حدثنا أبو
النضر
حدثنا أبو معاوية يعني شيبان عن ليث عن عطاء عن عائشة
قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «أفطر الحاجم والمحجوم».
وهذا سند ضعيف؛ فليث هو ابن أبي سليم قال فيه ابن حجر:
صدوق اختلط جدا، ولم يتميز حديثه فترك (?). وقد اضطرب في هذا الحديث فرواه علي
أوجه مختلفة (?).
فالحديث لا يصح عن عائشة رضي الله عنها، وإن كان صحيحا
من رواية جمع من الصحابة رضي الله عنهم، بل جزم السيوطي بأنه متواتر (?)، وكذلك
قال غير واحد من الحفاظ (?).
5 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث كريب عن
ابن عباس أن امرأة رفعت صبيا لها إلي النبي صلي الله عليه وسلم، فقالت: ألهذا حج؟
قال: «نعم، ولك أجر»، وبعد أن ذكر طرق هذا الحديث قال: أخشي أن يكون هذا الحديث مرسلا في
الأصل. قال أبو عبد الله (يعني نفسه):
وقال أبو ظبيان وأبو السفر عن ابن عباس: «أيما صبي حج ثم
أدرك فعليه الحج». وهذا المعروف عن ابن عباس.
وحديث كريب أخرجه مسلم في صحيحه (?) قال: حدثني محمد بن
المثني حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن إبراهيم بن عقبة عن كريب أن امرأة رفعت
صبيا، فقالت: يا رسول الله، ألهذا حج؟ قال: «نعم، ولك أجر».
وقد اختلف الرواة في رواية هذا الحديث، فمنهم من رواه
موصولا: عن كرب عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وسلم، كما رواه مسلم في صحيحه،
ومنهم من رواه مرسلا: عن كريب عن النبي صلي الله عليه وسلم. والراجح الوصل كما ذهب
إليه أحمد، ومسلم، وغيرهما (?).
قال ابن عبد البر: ومن وصل هذا الحديث وأسنده فقوله
أولي. والحديث صحيح مسند ثابت الاتصال، لا يضرّه تقصير من قصر به؛ لأن الذين
أسندوه حفاظ ثقات (?).
والبخاري ذكر هنا ما يؤيد الوجه المرسل، وهو ما رواه ابن
أبي شيبة (?) قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال:
«احفظوا عني - ولا تقولوا قال ابن عباس - أيما عبد حج به أهله ثم أعتق؛ فعليه
الحج. وأيما صبي حج به أهله صبيا ثم أدرك؛ فعليه حجة الرجل. وأيما أعرابي حج
أعرابيا ثم هاجر فعليه حجة المهاجرين».
وهذا سند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما. أبو ظبيان هو
حصين بن جندب الجنبي الكوفي ثقة من رجال الجماعة (?).
وما رواه الشافعي في «الأم» (?) قال: أخبرنا سعيد عن
مالك بن مغول عن أبي السفر قال: قال ابن عباس: «أيها الناس أسمعوني ما تقولون،
وافهموا ما أقول لكم: أيما مملوك حج به أهله فمات قبل أن يعتق؛ فقد
قضى حجه، وإن عتق قبل أن يموت فليحجج. وأيما غلام حج به
أهله، فمات قبل أن يدرك فقد قضى عنه حجه، وإن بلغ فليحجج».
وهذا سند حسن. سالم هو ابن سعيد القداح صدوق حسن الحديث
(?). ومالك بن مغول ثقة ثبت (?)، وأبو السفر هو سعيد بن يحمد الهمداني ثقة (?).
فرأي البخاري أن حديث ابن عباس المرفوع الذي فيه أن
للصبي حجا يخالف ما أفتى به من أن على الصبي الذي حج حجة أخرى إذا بلغ، فلو كان
ابن عباس قد روى ذلك الحديث ما أفتى بخلافه.
وقد ذكر ابن رجب أن البخاري رد حديث ابن عباس المرفوع
بأن ابن عباس كان يقول: «أيما صبي حج به ثم أدرك فعليه الحج» (?).
والصواب أنه يمكن الجمع بين الحديثين بلا أدني تكلف. قال
الطحاوي: هذا الحديث إنما فيه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم أخبر أن للصبي حجا
وهذا مما قد أجمع الناس جميعا عليه، ولم يختلفوا أن للصبي حجا كما أن له صلاة،
وليست تلك الصلاة بفريضة عليه، فكذلك أيضا قد يجوز أن يكون له حج، وليس ذلك الحج بفريضة
عليه، وإنما هذا الحديث حجة علي من زعم أنه لا حج للصبي، فأما من يقول: إن له حجا
وإنه غير فريضة فلم يخالف شيئا من هذا الحديث .... وهذا ابن عباس رضي الله عنهما هو
الذي روى هذا الحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ثم قد صرف هو حج الصبي إلي
غير الفريضة، وأنه لا يجزيه بعد بلوغه من حجة الإسلام. ثم ذكر ما هو مقرر عند أهل
العلم من أن راوي الحديث أعلم بتأويله
(?).
6 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث سالم
البراد عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلي الله عليه وسلم في أجر الصلاة على
الجنازة. وقال البخاري عقبه: وهذا لا يصح؛ لأن الزهري قال: عن سالم أن ابن عمر
أنكر على أبي هريرة حتي سأل عائشة.
وقال الترمذي: سألت محمدا عن حديث سالم البراد عن ابن
عمر فقال: رواه عبد الملك بن عمير عن سالم البراد عن أبي هريرة، وهو الصحيح. وحديث
ابن عمر ليس بشيء؛ ابن عمر أنكر على أبي هريرة حديثه (?).
وقال ابن حجر بعد أن ذكر أن البخاري أعلّ هذا الحديث:
وقد راج هذا السند علي الحافظ الضياء فأخرج هذا الحديث في «المختارة»، وهو معلول
كما تري (?).
أما حديث البراد فأخرجه أحمد في مسنده (?) قال: حدثنا يحيى عن
إسماعيل حدثني سالم أبو عبد الله عن ابن عمر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:
«من تبع جنازة حتي يصلّى عليها؛ فإنّ له قيراطا»،
فسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن القيراط، فقال: «مثل أحد».
وهذا سند ظاهره الصحة فرجاله ثقات من رجال الشيخين سوي
سالم البراد؛ فمن رجال أبي داود والنسائي، وهو ثقة (?)؛ لكن البخاري أعلّه بما ثبت
عن ابن عمر رضي الله عنهما من أنه لم يكن يعرف فضل الصلاة على الجنازة واتباعها
حتي أخبره أبو هريرة، ووافقته عائشة، ولو كان ابن عمر روى عن النبي صلي الله عليه وسلم
ذلك ما أنكره على أبي هريرة أولا.
ففي الصحيحين (?) من طريق جرير بن حازم قال: سمعت نافعا
يقول: حُدّث ابن عمر أن أبا هريرة رضي الله عنهم يقول: «من تبع جنازة فله قيراط»
فقال: أكثر أبو هريرة علينا. فصدقت - يعني عائشة - أبا هريرة، وقالت: سمعت رسول
الله صلي الله عليه وسلم يقوله. فقال ابن عمر رضي الله عنهما: لقد فرطنا في قراريط
كثيرة.
وفي لفظ مسلم أن ابن عمر بعث إلي عائشة فسألها، فصدقت
أبا هريرة.
وروى مسلم (?) عن ابن شهاب الزهري أنه قال: قال سالم بن
عبد الله بن عمر: وكان ابن عمر يصلّي عليها ثم ينصرف، فلما بلغه حديث أبي هريرة
قال: لقد ضيّعنا قراريط كثيرة.
وحديث إسماعيل بن أبي خالد عن سالم البراد عن ابن عمر الذي
أعلّه البخاري رواه عبد الملك بن عمير والقاسم بن أبي بزة عن سالم البراد عن أبي
هريرة. وهذا الوجه هو الذي صححه البخاري كما تقدم في كلام الترمذي، وذكر الدارقطني
أنه المعروف (?).
وهذا الوجه أخرجه أحمد في مسنده (?) قال: حدثنا محمد بن
جعفر قال: حدثنا شعبة عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت سالما البراد أبا عبد الله
قال: سمعت أبا هريرة قال: سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول: «من تبع جنازة
فصلّي عليها - أو قال: من صلّي عليها. شُعبة شك - فله قيراط. فإن شهد دفنها فله قيراطان،
القيراط مثل أحد».
وأخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده (?) عن وهب بن جرير عن
شعبة به بنحوه.
وهذا إسناد صحيح.
وقد سئل الدارقطني عن حديث إسماعيل بن أبي خالد الذي
أعلّه البخاري هنا فقال: هو محفوظ (?). فيبدو أن الوهم من سالم البراد، وليس من الرواة
عنه.
وذهب بعض العلماء إلي تصحيح الوجهين، وأن البراد سمعه من
ابن عمر، ومن أبي هريرة، وأن ابن عمر بعد أن أخذ الحديث من أبي هريرة وعائشة صار
يرويه عن النبي صلي الله عليه وسلم مباشرة بلا ذكر للواسطة، فيكون من مراسيل الصحابة،
وهي مقبولة عند العلماء (?).
قال أحمد شاكر: هذا الحديث من مراسيل الصحابة يقينا؛ فإن
عبد الله بن عمر إنما سمعه من أبي هريرة، ومن عائشة حين صدقت أبا هريرة، وكانوا
يصدق بعضهم بعضا فيروي أحدهم ما سمع من أخيه، ثقة به وتصديقا (?).
وما ذكره احتمال يردّه أو يبعده أنه لم يرو هذا الحديث
عن ابن عمر غير سالم البراد دون سائر أصحاب ابن عمر المعروفين بالرواية عنه. وسالم
البراد ليس له عن ابن عمر في الكتب التسعة سوى هذا الحديث، وهو مقل من الحديث
فأحاديثه في الكتب التسعة ثلاثة هذا أحدها، والآخر عن أبي هريرة الذي هو الوجه
الآخر من وجهي هذا الحديث. وهذا يؤيد أن ذكر ابن عمر وهم من سالم، وأن الحديث حديث
أبي هريرة كما صححه البخاري.
قال ابن المديني: والحديث عندي حديث أبي هريرة، وحديث
ابن أبي خالد وهم (?).
7 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث سالم بن
رزين عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه
وسلم أنه قال: «لا يحلّ له حتي يذوق العسيلة». ثم ذكر الاختلاف في إسناده ثم
قال: وقال لي إبراهيم بن المنذر: حدثنا أنس بن عياض سمع موسي بن عقبة عن نافع عن
ابن عمر قال: لو فعله أحد، وعمر حي؛ لرجمهما.
قال البخاري عقبه: وهذا أشهر. ولا تقوم الحجة بسالم بن
رزين، ولا برزين؛ لأنه لا يدري سماعه من سالم، ولا من ابن عمر.
وذكر الترمذي أنه سأل البخاري عن هذا الحديث، فذكر
البخاري الاختلاف فيه ثم قال: ويروى عن سعيد بن المسيب خلاف هذا (?).
والحديث أخرجه النسائي (?) أخبرنا عمرو بن علي قال:
حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد قال: سمعت سالم بن رزين يحدث
عن سالم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر عن النبي صلي الله عليه وسلم في
الرجل تكون له المرأة يطلقها، ثم يتزوجها رجل آخر فيطلقها قبل أن يدخل بها، فترجع
إلي زوجها الأول، قال: «لا، حتي تذوق العسيلة».
وأخرجه ابن ماجه (?) عن محمد بن بشار عن محمد بن جعفر به
بنحوه.
وهذا سند ضعيف، فسالم بن رزين، ويقال: رزين بن سالم
مجهول (?).
ومما يؤيد أن هذا الحديث ليس له أصل عن سعيد بن المسيب
أنه يخالف مذهبه في هذه المسألة. فقد روى سعيد بن منصور في «سننه» (?) قال: حدثنا
هشيم أخبرنا داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب قال: أما الناس فيقولون: حتي
يجامعها، وأما أنا فإني أقول: إذا تزوجها تزويجا صحيحا لا يريد بذلك إحلالا لها
فلا بأس أن يتزوجها الأول.
وهذا سند صحيح عن سعيد بن المسيب. وقد ذكر ابن حجر أن
ابن المنذر أخرجه بسند صحيح. ثم قال: وهكذا أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور.
وفيه تعقب علي من استبعد صحته عن سعيد. وفيه دلالة علي ضعف الخبر الوارد في ذلك،
ثم ذكر هذا الحديث حديث سالم بن رزين، وقال: الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن
ابن عمر مرفوعا ما نسبه إلي مقالة الناس الذين خالفهم (?).
ومما يؤيد أن هذا الحديث ليس له أصل عن ابن عمر الأثر الذي
ذكره البخاري عن ابن عمر، وهو ما رواه عبد الرزاق في «مصنفه» (?) عن ابن جريح عن
موسي بن عقبة عن نافع أن ابن عمر قال: لو أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، ثم نكحها رجل
بعده، ثم طلقها قبل أن يجامعها، ثم ينكحها زوجها الأول، فيفعل ذلك، وعمر حي؛ إذن
لرجمها (?).
وهذا سند صحيح عن ابن عمر. قال البخاري: وهذا أشهر. يريد
أن
الذي ثبت عن ابن عمر في هذه المسألة هو هذا الحديث
الموقوف. وابن عمر هنا علّل الأمر بمخالفة عمر، فلو كان روى الحديث المرفوع لعلّله
بمخالفة أمر النبي صلي الله عليه وسلم.
8 - وروى البخاري في «التاريخ الكبير» (?) قال: حدثني بشر بن آدم
قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا عثمان بن غياث عن برد بن عرين عن عمته زينب
بنت منجل: سألنا عائشة عن الجراد فقالت: زجر النبي صلي الله عليه وسلم صبياننا،
وكانوا يأكلونه.
ثم روى البخاري بعده ما يدل علي ضعفه فقال: حدثني عبد
الأعلي قال: حدثنا أبو عوانة عن السدي عن عبد الله البهي: رأيت عائشة تأكل الجراد.
تابعه عبيد الله عن إسرائيل عن السدي نحوه.
حدثني محمود قال: حدثنا أبو النضر قال: حدثنا شيبان عن
زياد عن حسان بن أنس الثعلبي: كنت عند ابن أخت عائشة، فأرسلت إليه بجراد.
ثم قال البخاري: وهذا أكثر، وهذا أصح. حدثنا أبو الوليد
قال: حدثنا شعبة عن أبي يعفور قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى يقول: غزوت مع النبي
صلي الله عليه وسلم سبع غزوات أو ست غزوات نأكل الجراد.
وحديث زينب بنت منجل عن عائشة في النهي عن الجراد ضعيف؛
فبرد بن عرين وعمته مجهولان. وهو حديث منكر كما قال الذهبي (?)؛ لمخالفته الأحاديث
الثابتة في هذا الباب عن عائشة، وعن غيرها كما بيّن البخاري.
وحديث ابن أبي أوفى أخرجه البخاري في «صحيحه» (?) قال:
حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن أبي يعفور قال: سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما
قال: غزونا مع النبي صلي الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستا، كنا نأكل معه الجراد.
وأخرجه مسلم (?) من طريق أبي عوانة وابن عيينة وشعبة عن
أبي يعفور به بنحوه.
9 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث أبي
سفيان طريف بن شهاب عن أبي نضرة عن أبي سعيد أنه قال: أمرنا النبي صلي الله عليه
وسلم أن نقرأ فاتحة الكتاب وما تيسر.
ثم روى ما أعلّ به هذا الحديث فقال: حدثنا مسدد حدثنا
يحيى عن العوام بن حمزة حدثنا أبو نضرة: سألت أبا سعيد عن القراءة خلف الإمام،
قال: فاتحة الكتاب.
ثم قال البخاري: وهذا أولي؛ لأن أبا هريرة وغيره واحد
ذكروا عن النبي صلي الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب»، وقال أبو هريرة:
إن زدت فهو خير، وإن لم تفعل أجزأك.
وحديث أبي سفيان أخرجه ابن ماجه (?) قال: حدثنا أبو كريب
حدثنا محمد بن الفضيل ح وحدثنا سويد بن سعيد حدثنا علي بن مسهر جميعا عن أبي سفيان
السعدي عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا صلاة
لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في فريضة أو غيرها».
وأخرجه الترمذي (?) عن سفيان بن وكيع عن محمد بن الفضيل
به بزيادة في أوله.
وهذا سند ضعيف؛ لأجل طريف بن شهاب فإنه ضعيف (?). ومتنه
يخالف ما ثبت عن أبي نضرة أنه سأل أبا سعيد عن القراءة خلف الإمام، قال: فاتحة
الكتاب. وقد رواه البخاري كما تقدم بسند حسن. ورواه في جزء القراءة خلف الإمام (?)
بالإسناد نفسه.
ورواه البيهقي (?) من طريق محمد بن عبد الله بن المثني
عن العوام بن حمزة به.
وهذا يدل علي أن حديث أبي سفيان طريف بن شهاب ليس له أصل
عن أبي سعيد؛ إذ لو كان أبو سعيد رواه ما خالفه بفتواه.
ونبّه البخاري أن حديث طريف يخالف الأحاديث الصحيحة التي
فيها أنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ولم توجب زيادة عليها.
ففي الصحيحين (?) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب».
وفي الصحيحين (?) أيضا من حديث عطاء أنه سمع أبا هريرة
رضي الله عنه يقول: في كل صلاة يقرأ فما أسمعنا رسول الله صلي الله عليه وسلم
أسمعناكم، وما أخفي عنا أخفينا عنكم. وإن لم تزد علي أم القرآن أجزأت، وإن زدت فهو
خير.
وفي إحدى روايات مسلم أن رجلا قال لأبي هريرة: إن لم أزد
علي أم القرآن؟ فقال: إن زدت عليها فهو خير، وإن انتهيت إليها أجزأت عنك.
10 - وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) حديثا فقال:
حدثنا
أبو عاصم عن ابن جريح عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عن
عائشة رفعه: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدّتها حيضتان» قال أبو عاصم: ثم لقيت مظاهرا
فحدثني به. وكان أبو عاصم يضعف مظاهرا.
ثم روى البخاري ما أعلّ به حديث مظاهر فقال: حدثني يحيى بن سليمان
قال: حدثني ابن وهب قال: حدثني أسامة بن زيد عن أبيه عن القاسم وسالم: عدة الأمة
حيضتان وطلاق الحر الأمة ثلاث، وطلاق العبد الحرة تطليقتان. وقالا: ليس هذا في
كتاب الله ولا سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكن عمل بها المسلمون. قال
البخاري: وهذا يردّ حديث مظاهر.
ففي حديث مظاهر عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها أن
النبي صلي الله عليه وسلم جعل عدة الأمة حيضتين، وهذا يخالف ما ثبت عن القاسم أنه
نفي أن يكون هذا الحكم قد نص عليه في الكتاب أو السنة، وهذا يدل علي أنه لم يرو
الحديث الذي حدّث به عنه مظاهر. ولهذا أعلّ البخاري الحديث.
وحديث مظاهر أخرجه أبو داود (?)، والترمذي (?)، وابن
ماجه (?) كلهم من طريق أبي عاصم عن ابن جريج عن مظاهر بن أسلم عن القاسم عن عائشة
أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «طلاق الأمة تطليقتان، وعدتها حيضتان»، وهذا
لفظ الترمذي.
وهذا سند ضعيف؛ لأجل مظاهر بن أسلم؛ فإنه ضعيف (?)، وعدّ
العلماء هذا الحديث من منكراته (?). قال أبو عاصم النبيل راوي الحديث عن مظاهر:
ليس بالبصرة حديث أنكر من حديث مظاهر هذا (?).
وأما الروايات التي تفيد أن القاسم نفي أن تكون هذه
المسألة قد نص علي حكمها الكتاب أو السنة، فقد ذكر البخاري إحداها، وهي رواية
أسامة بن زيد بن أسلم عن القاسم بذلك.
وروى الدارقطني في «سننه» (?) من طريق الليث عن هشام بن
سعد عن زيد بن أسلم قال: سئل القاسم عن الأمة كم تطلق؟ قال: طلاقها اثنتان، وعدتها
حيضتان. قال: فقيل له: أبلغك عن النبي صلي الله عليه وسلم في هذا؟ قال: لا.
وروى عقبه من طريق أبي عامر عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم
قال: سئل القاسم عن عدة الأمة، فقال: الناس يقولون: حيضتان. وإنا لا نعلم ذلك، أو
قال: لا نجد ذلك في كتاب الله تعالي، ولا في سنة نبيّة صلي الله عليه وسلم. قال
ابن حجر: إسناده صحيح (?).
وممن صحح هذا الخبر عن القاسم أبو بكر النيسابوري (?).
القسم الخامس: الأحاديث التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها الواقع
من المقاييس التي استعملها المحدثون في نقد المتن عرض
المتن علي الواقع (?)، فكانوا يردّون
الخبر إذا كان مخالفا الحقائق المعروفة والأحداث التاريخية المعلومه.
قال ابن حجر: مما يستدل به علي وضع الحديث مخالفة الواقع
(?)؛ إذ يستحيل أن يناقض قول الله أو قول
رسوله الواقع. وقد قال تعالي: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا (87)} [النساء: 87]،
وقال: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا (122)} [النساء: 122].
وقال عن نبيه صلي الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ
الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3، 4].
وانتفاء مخالفة الواقع ليس شرطا في الحديث المرفوع فحسب؛
بل كل خبر صحيح لا بد أن يكون موافقا الواقع؛ لأن الذي يخالف الواقع هو الكذب، وهو
ينافي الصحة.
وقد أعلّ البخاري عدة أحاديث بمناقضة متنها الواقع.
1 - فقد روى في «التاريخ الأوسط» (?) عن عبد الوهاب بن
عبد المجيد قال: حدثنا عوف عن المهاجر بن أبي مخلد حدثنا أبو العالية قال:
حدثني
أبو مسلم قال: كان أبو ذر بالشام وعليها يزيد بن أبي
سفيان، فغزا الناس فغنموا. ثم قال البخاري مضعفا هذه الرواية: والمعروف أن أبا ذر
كان بالشام زمن عثمان رضي الله عنه، وعليها معاوية رضي الله عنه، ومات يزيد في زمن
عمر رضي الله عنه، ولا يعرف لأبي ذر رضي الله عنه قدوم الشام زمن عمر رضي الله عنه.
فالبخاري أعلّ الحديث هنا بمناقضته الواقع التاريخي الذي
ينفي وجود أبي ذر في الشام زمن الحادثة المذكورة في الحديث.
فقد جاء في روايات متعددة أن أبا ذر رضي الله عنه انتقل
من المدينة إلي الشام في خلافة عثمان رضي الله عنه، حين كان معاوية رضي الله عنه
أميرًا عليها (?).
والحديث أخرجه أبو يعلي (?)، وابن خزيمة (?)، وابن عساكر
في «تاريخ
دمشق» (?) واللفظ له، ثلاثتهم من طريق عبد الوهاب بن عبد المجيد عن عوف بن أبي
جميلة عن مهاجر بن مخلد أبي مخلد عن أبي العالية عن أبي مسلم قال: غزا يزيد بن أبي
سفيان بالناس فغنموا، فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل، فاغتصبها يزيد، فأتي الرجل
أبا ذر فاستعان به عليه فقال له: ردّ علي الرجل جاريته، فتلكأ عليه ثلاثا، فقال:
إني (?) فعلت ذاك؛ لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «أول من يبدّل
سنتي رجل من بني أمية، يقال له يزيد»، فقال له يزيد بن
أبي سفيان: نشدتك بالله أنا منهم؟ قال: «لا». قال: فردّ علي الرجل جاريته.
وهذا الإسناد ضعيف؛ لضعف مهاجر بن مخلد (?).
2 - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) حديث عبد الله
بن سلمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كنت مع النبي صلي الله عليه
وسلم ليلة الجن.
ثم قال البخاري: ولا يصح. ثم ذكر روايات تنفي وجود ابن
مسعود مع النبي صلي الله عليه وسلم ليلة الجن.
فالبخاري أعلّ الحديث الذي فيه أن ابن مسعود كان مع
النبي صلي الله عليه وسلم ليلة الجن بمخالفته الواقع التاريخي الذي ينفي ذلك.
أما حديث عبد الله بن سلمة فأخرجه ابن المظفر في حديث
شعبة (?) من طريق مسكين بن بكير عن شعبة عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن سلمة عن
عبد الله بن مسعود أنه كان مع رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة الجن. ومن طريق
ابن المظفر رواه ابن دقيق العيد في كتابه «الإمام» (?).
وعبد الله بن سلمة المرادي الكوفي فيه ضعف. وقد قال عمرو
بن مرة راوي هذا الحديث عنه: كان عبد الله بن سلمة يحدثنا فنعرف وننكر، كان قد كبر
(?). وهذا الحديث من منكراته؛ لأن متنه يخالف الواقع التاريخي الذي تعددت الروايات
الصحيحة في إثباته.
ومن هذه الروايات التي ذكرها البخاري في هذا الموضع حديث
داود عن عامر قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله صلي الله عليه
وسلم ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود، فقلت: هل شهد أحد منكم مع
رسول الله صلي الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله ذات ليلة
ففقدناه، فالتمسناه في الأودية والشعاب، فقلنا: استطير أو اغتيل، قال: فبتنا بشرّ ليلة
بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل
حراء ....
الحديث، رواه مسلم (?). ورواه عقبه من طريق إبراهيم عن
علقمة عن عبد الله بن مسعود قال: لم أكن ليلة الجن مع النبي صلي الله عليه وسلم،
ووددت أني كنت معه.
ومن الروايات التي ذكرها البخاري قول عمرو بن مرة: سأت أبا
عبيدة (?): أكان أبوك مع النبي صلي الله عليه وسلم ليلة الجن؟ فقال: لا، ما كان ذاك.
رواه أحمد في «العلل» (?) من طريق شعبة عن عمرو به.
3 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» في ترجمة أسماء بن
الحكم الفزاري حديثه عن علي أنه قال: كنت إذا حدثني رجل عن النبي صلي الله عليه
وسلم حلّفته، فإذا حلف لي صدقته. ثم قال البخاري: ولم يرو عن أسماء بن الحكم إلا
هذا الواحد وحديث آخر، ولم يتابع عليه. وقد روى أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم بعضهم
عن بعض، فلم يحلّف بعضهم بعضا.
ونقل العقيلي (?) هذا لنص عن البخاري، وزاد فيه: وقد روى
علي عن عمر، ولم يستحلفه.
وحديث أسماء أخرجه أبو داود (?) قال: حدثنا مسدد حدثنا أبو
عوانة عن عثمان بن المغيرة الثقفي عن علي بن ربيعة الأسدي عن أسماء بن الحكم
الفزاري قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلي الله عليه
وسلم حديثا نفعني الله منه بما شاء أن ينفعني وإذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته،
فإذا حلف لي صدقته. قال: وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر رضي الله عنه أنه قال: سمعت
رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «ما من عبد يذنب ذنبا
فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلّي ركعتين ثم يستغفر الله إلا
غفر الله له» ثم قرأ هذه الآية: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ
ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا} [آل عمران: 135] إلي آخر
الآية.
وأخرجه الترمذي (?) عن قتيبة عن أبي عوانة به بنحوه.
وأخرجه ابن ماجه (?) من طريق مسعر وسفيان عن عثمان به
بنحوه.
وهذا سند ضعيف، فأسماء بن الحكم الفزاري مجهول لم يرو
عنه سوي علي بن ربيعة الأسدي (?). وقال الترمذي بعد روايته حديثه: ولا نعرف لأسماء
بن الحكم حديثا مرفوعا إلا هذا. وقال البزار في مسنده (?): وقول علي: «كنت امرءا
إذا سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم حديثا» إنما رواه أسماء بن الحكم، وأسماء
مجهول، لم يحدّث بغير هذا الحديث، ولم يحدّث عنه إلا علي بن ربيعة، فلم يرو عن علي
إلا من هذا الوجه.
وأعلّ البخاري متنه بأنه يناقض واقع الصحابة رضي الله
عنه؛ إذ كان يروي بعضهم عن بعض، فلم يحلّف بعضهم بعضا.
روى ابن سعد (?) بسنده عن حميد عن أنس بن مالك أنه حدّث
بحديث عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال له رجل: أنت سمعته من رسول الله صلي
الله عليه وسلم؟ فغضب غضبًا شديدا، وقال: لا والله، ما كل ما نحدّثكم سمعنا من
رسول الله صلي الله عليه وسلم، ولكنا لا يتهم بعضنا بعضا.
ورواه الحاكم في «المستدرك» (?) وفيه: ولكن كان يحدث
بعضنا بعضا، ولا يتهم بعضنا بعضا.
وروى الفريابي في كتاب «الصيام» (?) بسنده عن البراء بن
عازب قال: ما كل ما نحدّثكم عن رسول الله صلي الله عليه وسلم سمعناه، منه ما سمعناه
ومنه ما حدثنا عنه أصحابه، ونحن لا نكذب.
وقد ناقش المزي البخاري في إعلاله الحديث بهذه العلة
فقال: وأما ما أنكره من الاستحلاف فليس فيه أن كل واحد من الصحابة كان يستحلف من
حدّثه عن النبي صلي الله عليه وسلم، بل فيه أن عليا رضي الله عنه كان يفعل ذلك،
وليس ذلك بمنكر أن يحتاط في حديث النبي صلي الله عليه وسلم كما فعل عمر رضي الله
عنه في سؤاله البينة بعض من كان يروي له شيئا عن النبي صلي الله عليه وسلم كما هو
مشهور عنه، والاستحلاف أيسر من سؤال البينة (?).
والجواب أن عمر رضي الله عنه ثبت ذلك عنه في حادثة معينة
(?)، ولم يرد أنه كان يفعل ذلك في كل حديث يأخذه عن غيره من الصحابة، وأما علي رضي
الله عنه فلم يرد عنه في غير هذا الحديث أنه استحلف أحدًا من الصحابة علي شيء
حدّثه به عن النبي صلي الله عليه وسلم مع أن هذا الحديث يفيد أن الاستحلاف عادة
علي رضي الله عنه مع كل من يحدثه عن النبي صلي الله عليه وسلم. وهو في هذا الحديث
الذي حدّثه به أبو بكر الصديق رضي الله عنه لم يستحلف أبا بكر.
وذكر البخاري أيضا أن عليا روى عن عمر، ولم يستحلفه.
وقال علي رضي الله عنه: أرسلنا المقداد بن الأسود إلي رسول الله صلي الله عليه
وسلم، فسأله عن المذي يخرج من الإنسان، كيف يفعل به؟ فقال رسول الله صلي الله عليه
وسلم: «توضأ وانضح فرجك»، متفق عليه، وهذا لفظ مسلم (?)، ورواه النسائي (?) من
طريق عطاء عن ابن عباس قال: تذاكر علي
والمقداد وعمار، فقال علي: إني امرؤ مذّاء، وإني أستحيي
أن أسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم؛ لمكان ابنته مني، فيسأله أحدكما، فذكر لي
أن أحدهما - ونسيته - سأله فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «ذاك المذي، إذا وجده
أحدكم فليغسل ذلك منه، وليتوضأ وضوء للصلاة» أو «كوضوء الصلاة»، ولم يذكر أنه
استحلفه.
4 - وقال الترمذي: سألت محمدا (يعني البخاري) عن حديث
الحسن: خطبنا ابن عباس فقال: «إن رسول الله صلي الله عليه وسلم فرض صدقة الفطر»،
فقال: روى غير يزيد بن هارون عن حميد عن الحسن قال: خطب ابن عباس - وكأنه رأي هذا
أصح - وإنما قال محمد هذا لأن ابن عباس كان بالبصرة في أيام علي، والحسن البصري في
أيام عثمان وعلي كان بالمدينة
(?).
أما حديث الحسن بلفظ «خطبنا ابن عباس» الذي لم يرجحه
البخاري لمناقضته الواقع التاريخي؛ فقد أخرجه البزار (?) قال: حدثنا محمد بن المثني حدثنا
يزيد بن هارون أخبرنا حميد عن الحسن قال: خطبنا ابن عباس بالبصرة، فذكر الحديث.
قال البزار: لا نعلم روى الحسن عن ابن عباس غير هذا.
وقوله «خطبنا ابن عباس» فإنما خطب أهل البصرة، وكان وقت خطبة ابن عباس بالبصرة،
ولم يكن شاهدا، ولا دخل البصرة بعد؛ لأن ابن عباس خطب يوم الجمل، ودخل الحسن أيام
صفين، ولم يسمع الحسن من ابن عباس.
وأما بلفظ «خطب ابن عباس» الذي رجحه البخاري فرواه أبو
داود (?) قال: حدثنا محمد بن المثني حدثنا سهل بن يوسف قال حميد: أخبرنا عن الحسن قال:
خطب ابن عباس رضي الله عنهما في آخر رمضان، علي منبر البصرة،
فقال: «أخرجوا صدقة صومكم ...» الحديث.
وأخرجه النسائي (?) قال: أخبرنا علي بن حجر قال: حدثنا
يزيد وهو ابن هارون قال: أنبأنا حميد عن الحسن أن ابن عباس خطب بالبصرة فقال: «أدّوا
زكاة صومكم ...» الحديث.
وعلي كال حال فإن السند منقطع؛ لأن الحسن لم يسمع من ابن
عباس كما قال جمع من الأئمة
(?).
5 - وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) عن عبد الله
عن الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني إبراهيم بن عبد الرحمن: استسقي بهم النبي
صلي الله عليه وسلم. ورأي بعضهم في كتاب أن النبي صلي الله عليه وسلم استسقي بهم، ولا
أراه يصح؛ لأن أم كلثوم زوّجها الوليد، وأسلم الوليد يوم الفتح. وكان البخاري قد
ذكر قبل هذا أن أم إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف هي أم كلثوم بنت عقبة.
وقول البخاري: «أم كلثوم زوّجها أخوها الوليد» قال ابن
حجر: يعني لعبد الرحمن بن عوف أيام الفتح (?).
فالبخاري أعلّ حديث إبراهيم الذي فيه أن النبي صلي الله
عليه وسلم استسقي بهم بمناقضته الواقع التاريخي الذي يدلّ علي أن إبراهيم راوي هذا
الحديث كان عمره حين توفي النبي صلي الله عليه وسلم دون السنتين علي أقل
التقديرات؛ لأن أباه تزوج أمه في فتح مكة أي في رمضان في السنة الثامنة، فتكون
ولادته في السنة التاسعة علي أقل التقديرات، فيكون عمره عند وفاة النبي صلي الله عليه
وسلم دون السنتين، فلا يتصور أن يقول: إن النبي صلي الله عليه وسلم استسقي بهم!؛
مما يدل علي عدم صحة
هذه الرواية. وقد جزم ابن حجر بأن مولد إبراهيم كان قبل
وفاة النبي (?).
وليس له رواية عن النبي صلي الله عليه وسلم، وإنما يروي
عن الصحابة (?).
وقد ذكره ابن سعد، ويعقوب بن سفيان، ويعقوب بن شيبة في
التابعين (?).
6 - وروى البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) قال: حدثنا
ابن الأصبهاني حدثنا المحاربي عن ليث عن مجاهد قال لي أبو هريرة: يا فارسي أشكم
درد. قال ابن الأصبهاني: ورفعه ذواد. وليس له أصل؛ أبو هريرة لم يكن فارسيا، إنما
مجاهد فارسي.
فقد ردّ البخاري الرواية المرفوعة لمخالفة متنها الواقع؛
إذ إن أبا هريرة رضي الله عنه عربي دوسي (?) فلا يمكن أن يقول له النبي صلي الله عليه
وسلم: يا فارسي، ويخاطبه بالفارسية أيضا.
ثم أشار البخاري إلي إمكان ترجيح الرواية الموقوفة،
فيكون أبو هريرة رضي الله عنه هو الذي خاطب مجاهدا بذلك، فمجاهد لم يكن عربيا،
وإنما كان مولي لأحد بني مخزوم
(?).
قال ابن الجوزي بعد أن ذكر الرواية الموقوفة: فقد بان
بهذا أن المتكلم بالفارسية أبو هريرة لا رسول الله صلي الله عليه وسلم، وإنما الذي
رفعه وهم (?).
والرواية المرفوعة أخرجها ابن ماجه (?) قال: حدثنا جعفر
بن مسافر حدثنا السري بن مسكين حدثنا ذواد بن علبة عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال:
هجر النبي صلي الله عليه وسلم فهجرت فصلّيت، ثم جلست، فالتفت إلي
النبي صلي الله عليه وسلم فقال: «اشكمت درد؟» قلت: نعم
يا رسول الله. قال: «قم فصلّ؛ فإن في الصلاة شفاء».
ثم رواه أبو الحسن القطان راوي سنن ابن ماجة عقبه من
طريق أخرى فيها تفسير الكلمة المذكورة فقال: اشكمت درد يعني: تشتكي بطنك،
بالفارسية.
ولم أجد من ذكر في الرواية المرفوعة لفظة «يا فارسي».
وهذا سند ضعيف لأجل ذواد بن علبة فهو ضعيف (?)، ولأجل
ليث؛ فإنه ابن أبي سليم وهو ضعيف
(?).
وأما الرواية الموقوفة فرواها البخاري في «التاريخ» كما
تقدم، والعقيلي (?)، وابن عدي (?)، من
طريق ليث بن أبي سليم عن مجاهد به. وليث بن أبي سليم ضعيف كما تقدم.
7 - وقال البخاري في «التاريخ الأوسط» (?): قال سليمان
بن حرب: روى ابن فضاء هذا الحديث: نهي النبي صلي الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين
الجارية بينهم. قال سليمان: وإنما ضرب السكة حجاج بن يوسف، لم يكن في عهد النبي
صلي الله عليه وسلم.
والمراد بالسكة هنا الدنانير والدراهم المضروبة، سمّيت
باسم الحديدة التي تطبع عليها الدراهم، فهي أيضا يقال لها: سكة (?).
فالبخاري حين ذكر الحديث أتبعه بذكر العلة في متنه نقلا
عن شيخه
سليمان بن حرب. فالمتن ينقاض الواقع التاريخي؛ إذ هو
ينهي عن كسر سكة المسلمين في وقت لم يكن للمسلمين فيه سكة خاصة بهم؛ إذ إن أول من
ضرب النقود الخاصة بالدولة الإسلامية الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك بن مروان
الخليفة الأموي (?). وكانت دنانيرهم الذهبية قبل ذلك ترد مسكوكة من بلاد الروم،
ودراهمهم الفضية ترد مسكوكة من بلاد الفرس (?).
ومما يؤيد إعلال الحديث بالعلة المذكورة أن مما علل به
النهي عن كسر سكة المسلمين احترام ذكر الله تعالي المضروب علي الدينار والدرهم
(?). فهذا يبين أن المقصود سكة الدولة الإسلامية التي لم توجد إلا في عهد بني أمية
ومن بعدهم.
والحديث أخرجه أبو داود (?) من طريق محمد بن فضاء عن
أبيه عن علقمة بن عبد الله عن أبيه قال: نهي رسول الله صلي الله عليه وسلم أن تكسر
سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس.
وأخرجه ابن ماجه (?) من الطريق نفسها.
وهذا سند ضعيف جدا؛ فمحمد بن فضاء ضعيف منكر الحديث (?)،
ووالده مجهول (?).
8 - وذكر البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) حديث محمد بن
سلمة
عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن محمد بن عبد
الله عن المطلب عن أبي هريرة قال: دخلت علي رقية بنت رسول الله صلي الله عليه وسلم
امرأة عثمان، وفي يدها مشط. ثم قال البخاري: ولا أري حفظه؛ لأن رقية بنت النبي صلي
الله عليه وسلم ماتت أيام بدر، وأبو هريرة هاجر بعد ذلك بنحو من خمس سنين أيام خيبر.
ولا يعرف للمطلب سماع من أبي هريرة، ولا لمحمد عن المطلب، ولا تقوم به الحجة. ثم
روى بعد هذا بالأسانيد الصحيحة ما يثبت قدوم أبي هريرة رضي الله عنه أيام خيبر،
ووفاة رقية رضي الله عنها أيام بدر.
وأعلّ الحديث بهذا في «تاريخه الكبير» (?) أيضًا. فهو
أعلّ الحديث بمناقضة متنه الواقع التاريخي؛ إذ كيف يدخل أبو هريرة علي رقية، وقد
ماتت قبل أن يهاجر إلي المدينة بنحو خمس سنين؟!.
وممن أعلّ الحديث بهذا يعقوب بن سفيان، فقال: ورقية قد
توفيت قبل قدوم أبي هريرة بسنين
(?).
والدارقطني، فقال بعد أن ذكر أنه غريب: وفي متنه نظر
ولست أدري الوهم فيه على من أدخل؛ لأن أبا هريرة أسلم زمن خيبر، ورقية بنت رسول
الله صلي الله عليه وسلم توفيت عام بدر، والله أعلم (?).
والحديث المذكور رواه يعقوب بن سفيان في «المعرفة
والتاريخ» (?)، والدولابي في «الذرية الطاهرة» (?)، والطبراني في «المعجم الكبير»
(?)، والقطيعي في زوائده علي فضائل الصحابة للإمام أحمد (?)،
وابن عساكر في
«تاريخ دمشق» (?) كلهم من طريق محمد بن سلمة الحراني عن
أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن محمد بن عبد الله عن المطلب عن أبي هريرة
قال: دخلت علي رقية ابنة رسول الله صلي الله عليه وسلم امرأة عثمان بن عفان، وفي
يدها مشط فقالت: خرج من عندي رسول الله صلي الله عليه وسلم آنفا؛ رجلت رأسه، فقال: «كيف تجدين أبا
عبد الله؟». قلت: كخير الرجال. قال: «أكرميه؛ فإنه من أشبه أصحابي بي خلقا».
وهذا سند ضعيف، فيه علتان:-
الأولي: جهالة محمد بن عبد الله الراوي عن المطلب؛ فإنه
لا يعرف إلا في هذا الحديث، ولا يعرف من هو (?)، ولا يثبت الاتصال بينه وبين
المطلب كما ذكر البخاري.
والأخرى: بيّنها البخاري بقوله: لا يعرف للمطلب سماع من
أبي هريرة.
وقال أبو حاتم: روى عن أبي هريرة مرسلا (?). فالسند
منقطع بين المطلب وأبي هريرة.
القسم السادس: الآثار التي أعلّها البخاري بمناقضة
متونها ما ثبت عن أصحابها
وهي ثلاثة آثار رويت عن ابن عمر رضي الله عنهما، وأعلّها
البخاري بمخالفتها الثابت عن ابن عمر في المسألة نفسها. وهذا يدل علي أن عناية
البخاري بنقد متون الأخبار لم تقتصر علي الأحاديث المرفوعة، وإنما شملت غيرها من الموقوفات.
1 - فقد روى البخاري في «التاريخ الأوسط» (?) عن عمرو بن
علي أنه سمع يحيى يسأل عن حديث عريف بن درهم الجمال فتمنع به، ثم حدثنا به ثم قال:
روى حديثا منكرًا عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر: «الجزور والبقرة عن سبعة».
ثم روى البخاري ما يدل علي نكارة حديث عريف فقال: حدثنا
إسماعيل قال: حدثني مالك عن نافع عن ابن عمر قال: لا تذبح البقرة والبدنة والشاة إلا
عن إنسان واحد. قال البخاري: وهذا أصح من ذلك.
فقد أيّد البخاري استنكار القطان لحديث عريف الذي فيه أن
ابن عمر رضي الله عنهما يرى إجزاء الجزور والبقرة عن سبعة، لمخالفته ما هو ثابت عن
ابن عمر من قوله بعدم الإجزاء.
أما حديث عريف فرواه العقيلي في «الضعفاء الكبير» (?) من
طريق وكيع عن عريف بن درهم عن جبلة بن سحيم عن ابن عمر قال: «الجزور والبقرة عن
سبعة».
ومن طريق العقيلي رواه ابن حزم في «المحلى» (?).
وهذا سند ضعيف لأجل عريف بن درهم فإنه ضعيف (?) وقد عدّ
العلماء هذا الحديث من منكراته، منهم يحيى القطان كما تقدم في كلام البخاري،
وأيّده البخاري علي ذلك.
وأما قول ابن عمر بعدم الإجزاء والذي رواه البخاري عنه
بالسند المتقدم، وهو سند صحيح فلم أجد من رواه غير البخاري. وقد ذكره ابن حزم من طريق
أخرى بمعناه فقال: وروينا من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: «البدنة
عن واحد، والبقرة عن واحد، والشاة عن واحد، لا أعلم شركا».
وروى أحمد في «مسنده» (?) من طريق مجالد بن سعيد عن
الشعبي أنه قال: سألت ابن عمر قلت: الجزور والبقرة تجزئ عن سبعة؟ قال: يا شعبي،
ولها سبعة أنفس؟!. قال: قلت: إن أصحاب محمد يزعمون أن رسول الله صلي الله عليه
وسلم سنّ الجزور والبقرة عن سبعة. قال: فقال ابن عمر لرجل: أكذاك يا فلان؟ قال:
نعم. قال:
ما شعرت بهذا.
وهذا سند ضعيف؛ لضعف مجالد بن سعيد (?).
2 - وذكر البخاري في «التاريخ الكبير» (?) حديث أيفع أو
أيمع عن ابن عمر أنه قال: لا أبالي أعانني رجل علي طهوري أو ركوعي. ثم قال
البخاري: وهذا منكر؛ لأن مجاهدا وعباية قالا: وضأنا ابن عمر.
وحديث أيفع لم أقف علي من ذكر إسناده لكن ابن حجر ذكر أن
أبا جعفر الطبري روى عن ابن عمر أنه كان يقول: ما أبالي من أعانني علي طهوري أو علي
ركوعي وسجودي (?). وذكر ابن بطال عن الطبري أن راوي هذا عن ابن عمر هو أيفع، وهو
مجهول (?). فالأثر ضعيف، وقد أعلّه البخاري بمخالفته ما ثبت عن ابن عمر في هذا
الباب؛ فقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه (?) قال: حدثنا يعلي قال: حدثنا أبو حيان عن
عباية قال: وضأت ابن عمر، فقمت عن يمينه أفرغ عليه الماء، فلما فرغ صعّد فيّ بصره
فقال: من أين أخذت هذا الأدب؟ فقلت: من جدي رافع. قال: هنالك.
ورواه ابن المنذر في «الأوسط» (?) من طريق الثوري عن أبي
حيان به بنحوه.
وهذا سند صحيح. يعلي هو ابن عبيد الطنافسي، وأبو حيان هو
يحيى بن سعيد بن حيان، وعباية هو ابن رفاعة بن رافع بن خديج، وكلهم ثقات (?).
وروى ابن أبي شيبة في «مصنفه» (?) قال: حدثنا عبد الرحيم
بن سليمان
عن إسماعيل بن أبي خالد عن عثمان - قال: وكان من غلمة
ابن الزبير - قال: وضأت ابن عمر، فرأيته يمسح ظاهر أذنيه.
وهذا سند رجاله ثقات إلا عثمان مولي آل الزبير، فقد ذكره
البخاري (?) وابن أبي حاتم (?) ولم يذكرا فيه جرحا ولا تعديلا، وقد ذكره ابن حبان
في الثقات (?).
قال الطبري: وثبت عن ابن عمر خلاف ما ذكر عنه (يعني من
كراهة أن يعان في الوضوء)، فروى شعبة عن أبي بشر عن مجاهد أنه كان يسكب علي ابن
عمر الماء، فيغسل رجليه. وهذا أصح عن ابن عمر (?).
3 - وقال البخاري في «التاريخ الكبير» (?): قال لنا مالك بن
إسماعيل عن شريك عن ابن أبي ليلي عن محمد بن بيان عن ابن عمر: كره أخذ الدنانير عن
الدراهم في القرض، ولم ير في البيع بأسا.
ثم أعلّه البخاري فقال: وقال سعيد بن المسيب وغيره عن
ابن عمر: لا بأس به. وهذا أصح.
ثم ذكر حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر: كنت أبيع، فقال
النبي صلي الله عليه وسلم: «لا بأس به».
قال البخاري: وروى داود عن سعيد عن ابن عمر قوله.
وحديث محمد بن بيان عن ابن عمر ضعيف، ففي إسناده شريك،
وهو ابن عبد الله النخعي، وهو سييء الحفظ (?)، وابن أبي ليلي، وهو محمد بن عبد
الرحمن، وهو سييء الحفظ جدًا (?)، ومحمد بن بيان وهو مجهول الحال،
ذكره البخاري وابن أبي حاتم، ولم يذكرا فيه جرحا ولا
تعديلا (?). وقد نبه البخاري أنه يناقض ما روي عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا في هذه
المسألة.
أما الرفوع فرواه أبو داود (?) قال: حدثنا موسي بن
إسماعيل ومحمد بن محبوب المعنى واحد قالا: حدثنا حماد عن سماك بن حرب عن سعيد بن
جبير عن ابن عمر قال: كنت أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم،
وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فأتيت رسول الله
صلي الله عليه وسلم، وهو في بيت حفصة، فقلت: يا رسول الله، رويدك أسألك، إني أبيع
الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ
هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «لا بأس أن
تأخذها بسعر يومها؛ ما لم تفترقا وبينكما شيء».
ورواه الترمذي (?) من طريق يزيد بن هارون عن حماد به
بنحوه.
والنسائي (?) من طريق المعافى عن حماد به بنحوه.
وابن ماجه (?) من طريق يعقوب بن إسحاق عن حماد به بنحوه،
ومن طريق عمر بن عبيد الطنافسي عن سماك به بنحوه.
وأما الموقوف فرواه ابن أبي شيبة في «مصنفه» (?) قال:
حدثنا ابن أبي زائدة عن داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير قال: رأيت ابن عمر يكون
عليه الورق، فيعطي قيمتها دنانير إذا قامت علي سعر، ويكون عليه الدنانير، فيعطي
الورق بقيمتها.
والراجح أن هذا الحديث لا يصح إلا موقوفا علي ابن عمر
رضي الله عنهما.
قال أبو داود الطيالسي: سمعت خالد بن طليق يسأل شعبة
فقال: يا أبا بسطام حدثني حديث سماك بن حرب في اقتضاء الورق من الذهب حديث ابن
عمر، فقال: أصلحك الله، هذا حديث ليس يرفعه أحد إلا سماك. قال: فترهب أن أروي عنك؟
قال: لا، ولكن حدثنيه قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر، ولم يرفعه، وأخبرنيه
أيوب عن نافع عن ابن عمر، ولم يرفعه، وحدثني داود بن أبي هند عن سعيد بن جبير ولم
يرفعه، ورفعه سماك، فأنا أفرقه
(?).
وقال الترمذي عقبه: هذا حديث لا نعرفه مرفوعًا إلا من
حديث سماك بن حرب عن سعيد بن جبير عن ابن عمر. وروى داود بن أبي هند هذا الحديث عن
سعيد بن جبير عن ابن عمر موقوفا.
وقال الدارقطني: اختلف في رفعه علي سعيد بن جبير، فرواه
سماك بن حرب عن سعيد بن جبير مرفوعا ..... وخالفه داود بن أبي هند فرواه عن سعيد
بن جبير عن ابن عمر موقوفا، وكذلك رواه سعيد بن المسيب ونافع عن ابن عمر موقوفا،
ولم يرفعه غير سماك وسماك سيء الحفظ
(?).
وقال البيهقي: والحديث يتفرد برفعه سماك بن حرب عن سعيد
بن جبير من بين أصحاب ابن عمر
(?).
خاتمة
تبيّن مما تقدم ذكره من الأحاديث التي أعلّ الإمام
البخاري رحمه الله تعالي متونها نتائج متعددة، ومن أهمها:
1 - قوة منهج الإمام البخاري رحمه الله في نقد متن
الحديث.
2 - عناية الإمام البخاري بالتحقق من سلامة المتن من
التناقض الذي لا يمكن أن يوجد في الأخبار الصحيحة، ودقة نظره في هذا الباب.
وهذا الأمر قد قصر فيه كثير ممن يشتغل بهذا العلم من
المعاصرين، فيصححون أحاديث فيها تناقض ظاهر.
3 - أن غالب الأحاديث التي أعلّها البخاري من جهة متنها
أعلّها أيضًا من جهة سندها، وهذا يؤكد ما بين صحة المتن وصحة السند من ملازمة، بمعني
أن وجود علة في المتن يقتضي وجود علة في السند ظاهرة أو خفية.
4 - أن عناية المحدثين بالمتن لا تقلّ عن عنايتهم
بالسند، وليس الأمر كما زعم أعداء الإسلام من المستشرقين وأذنابهم حين ادعوا خلاف
ذلك.
قال المستشرق جولد تسيهر: نقد الأحاديث عند المسلمين قد
غلب عليه الجانب الشكلي منذ البداية، فالقوالب الجاهزة هي التي يحكم بواسطتها علي
الحديث بالصحة أو بغيرها. وهكذا لا يخضع للنقد إلا الشكل الخارجي للحديث؛ ذلك أن صحة
المضمون مرتبطة أوثق الارتباط بنقد سلسلة الإسناد، فإذا استقام سند حديث لقوالب
النقد الخارجي؛ فإن المتن يصحح حتي ولو كان معناه غير واقعي، أو احتوي علي متناقضات
داخلية أو خارجية، فيكفي لهذا الإسناد أن يكون متصل الحلقات، وأن يكون رواته ثقات
اتصل الواحد منهم
بشيخه حتي يقبل متن مرويه (?).
وهذا كلام باطل يردّه واقع المحدثين الذي بيّن هذا البحث
بعض جوانبه عند أحد أكابر أئمتهم، وهو البخاري.
وظهر كيف أعلّ البخاري تلك الأحاديث بمناقضة متونها ما
هو ثابت.
ثم إن عناية المحدثين بالسند إنما هي لأجل المتن، فالسند
سلسلة من الرواة لا يقصد لذاته وإنما لما يحمله من متن، فالعناية بالسند صيانة
للمتن في الحقيقة.
والحمد لله علي إحسانه وتوفيقه، وصلّى الله وسلّم علي
نبيه الكريم وآله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلي يوم الدين.
فهرس المصادر والمراجع
- الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير؛ للحسين بن
إبراهيم الجوزقاني - تحقيق: عبد الرحمن الفريوائي - دار الصميعي بالرياض - الطبعة
الثالثة 1415 هـ.
- الأحاديث المختارة؛ لعبد الواحد بن أحمد المقدسي -
تحقيق: عبد الملك بن دهيش - مكتبة النهضة الحديثة بمكة - الطبعة الأولى 1410 هـ.
- الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان؛ لعلي بن بلبان
الفارسي - تحقيق: شعيب الأرنؤوط - مؤسسة الرسالة ببيروت - الطبعة الأولى 1408 هـ.
- الأحكام الوسطى؛ لعبد الحق بن عبد الرحمن الإشبيلي -
تحقيق: حمدي السلفي وصبحي السامرائي - مكتبة الرشد بالرياض - الطبعة الأولى 1416هـ.
- الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء
الأقطار؛ ليوسف بن عبد البر - تحقيق: عبد المعطي قلعجي - دار قتيبة ودار الوعي بالشام -
الطبعة الأولى 1414 هـ.
- الاستيعاب في معرفة الأصحاب؛ ليوسف بن عبد البر -
تحيقق: علي البجاوي - دار الجيل بلبنان - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- أطراف الغرائب والأفراد للدارقطني؛ تصنيف محمد بن طاهر
المقدسي - تحقيق: محمود نصار والسيد يوسف - دار الكتب العلمية بلبنان - الطبعة
الأولى 1419 هـ.
- أطراف مسند الإمام أحمد؛ لأحمد بن علي بن حجر
العسقلاني - تحقيق: زهير الناصر - دار ابن كثير ودار الكلم الطيب بالشام - الطبعة
الأولى 1414 هـ.
- إكمال المعلم بفوائد مسلم؛ لعياض بن موسي اليحصبي -
تحقيق: يحيى إسماعيل - دار الوفاء بمصر - الطبعة الأولى 1419 هـ.
- الإمام في معرفة أحاديث الأحكام؛ لمحمد بن علي المشهور
بابن دقيق العيد - تحقيق: سعد الحميد - دار المحقق بالرياض - الطبعة الأولى 1420
هـ.
- الأم؛ لمحمد بن إدريس الشافعي - أشرف علي طبعه محمد
النجار - دار المعرفة بلبنان.
- الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف؛ لمحمد بن إبراهيم
بن المنذر - تحقيق: صغير أحمد حنيف - دار طيبة بالرياض - الطبعة الأولى 1405 هـ.
- البحر الزخار المعروف بمسند البزار؛ لأحمد بن عمرو
البزار - تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله - مكتبة العلوم والحكم بالمدينة - الطبعة
الأولى 1409 هـ.
- البداية والنهاية؛ لإسماعيل بن كثير - تحقيق: عبد الله
التركي - دار هجر بمصر - الطبعة الأولى 1417 هـ.
- بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث؛ لعلي بن أبي بكر
الهيثمي - تحقيق: مسعد السعدني - دار الطلائع بمصر.
- بيان من أخطأ علي الشافعي؛ لأحمد بن الحسين البيهقي -
تحقيق: نايف الدعيس - مؤسسة الرسالة ببيروت - الطبعة الأولى 1402 هـ.
- بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام؛ لعلي
بن محمد ابن القطان - تحقيق: الحسين آيت سعيد - دار طيبة بالرياض - الطبعة الأولى
1418 هـ.
- بين الإمامين مسلم والدارقطني؛ لربيع بن هادي المدخلي
- مكتبة الرشد بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- تاريخ أبي زرعة الدمشقي؛ لعبد الرحمن بن عمرو النصري
أبو زرعة الدمشقي - تحقيق: شكر الله القوجاني - مجمع اللغة العربية بدمشق.
- التاريخ الأوسط؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري - تحقيق:
محمد اللحيدان - دار الصميعي - الطبعة الأولى 1418 هـ.
- تاريخ بغداد؛ لأحمد بن علي الخطيب البغدادي - دار
الكتب العلمية.
- التاريخ الكبير؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري - دار الكتب
العلمية بلبنان.
- تاريخ مدينة دمشق؛ لعلي بن الحسن المعروف بابن عساكر -
تحقيق: عمر بن غرامة العمروي - دار الفكر بلبنان - 1415 هـ.
- التتبع؛ لعلي بن عمر الدارقطني - تحقيق: مقبل الوادعي
- دار الخلفاء بالكويت - الطبعة الثانية.
- تحرير تقريب التهذيب؛ لبشار عواد وشعيب الأرنؤوط -
مؤسسة الرسالة ببيروت - الطبعة الأولى 1417 هـ.
- التحقيق في أحاديث الخلاف؛ لعبد الرحمن ابن الجوزي -
تحقيق: مسعد السعدني - دار الكتب العلمية - الطبعة الأولى 1414 هـ.
- تقريب التهذيب؛ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني -
تحقيق: صغير أحمد الباكستاني - دار العاصمة بالرياض - الطبعة الأولى 1416 هـ.
- التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير؛ لأحمد
بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق: عبد الله هاشم المدني - 1384 هـ.
- التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد؛ ليوسف بن
عبد البر - تحقيق: مجموعة من العلماء - طبعة مصورة عن الطبعة المغربية.
- تنزيه الشريعة المرفوعة عن الأحاديث الشنيعة الموضوعة؛
لعلي بن محمد بن عراق الكناني - دار الكتب العلمية بلبنان - الطبعة الثانية 1401
هـ.
- تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق؛ لمحمد بن أحمد بن
عبد الهادي الحنبلي - تحقيق: عامر حسن صبري - المكتبة الحديثة بالإمارات العربية
المتحدة - الطبعة الأولى 1409 هـ.
- تهذيب التهذيب؛ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني - دار
الفكر بلبنان - الطبعة الأولى 1404 هـ.
- تهذيب السنن؛ لمحمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية -
مطبوع بهامش مختصر سنن أبي داود للمنذري - تحقيق: محمد حامد الفقي - مكتبة السنة
المحمدية ومكتبة ابن تيمية بمصر.
- تهذيب الكمال في أسماء الرجال؛ ليوسف بن عبد الرحمن
المزي - تحقيق: بشار عواد - مؤسسة الرسالة ببيروت - الطبعة الرابعة 1406 هـ.
- جامع بيان العلم وفضله؛ ليوسف بن عبد البر - تحقيق:
أبي الأشبال الزهيري - دار ابن الجوزي بالدمام - الطبعة الأولى 1414 هـ.
- الجامع الصغير من حديث البشير النذير؛ لعبد الرحمن بن
أبي بكر السيوطي - تحقيق: حمدي الدمرداش - مكتبة نزار الباز بمكة - الطبعة الأولى
1419 هـ.
- الجرح والتعديل؛ لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي -
تصحيح: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - دائرة المعارف العثمانية - الطبعة الأولى
1372 هـ.
- جهود المحدثين في نقد متن الحديث النبوي - الشريف؛
لمحمد طاهر الجوابي - مؤسسة الكريم بن عبد الله بتونس - 1991 م.
- الجوهر النقي؛ لعلي بن عثمان المارديني الشهير بابن
التركماني - مطبوع بذيل السنن الكبرى للبيهقي - دار المعرفة بلبنان.
- الحيض والنفاس؛ لدبيان الدبيان - الطبعة الأولى 1419
هـ.
- الدراية في تخريج أحاديث الهداية؛ لأحمد بن علي بن حجر
العسقلاني - تحقيق: عبد الله هاشم المدني - دار المعرفة بلبنان.
- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة؛ لمحمد ناصر الدين
الألباني - مؤسسة الخافقين بدمشق.
- الذرية الطاهرة؛ لمحمد بن أحمد الدولابي - دار الحرمين
بمصر - الطبعة الثانية 1422 هـ.
- ذكر أخبار أصبهان؛ لأبي نعيم أحمد بن عبد الله
الأصبهاني - دار الكتاب الإسلامي بمصر.
- رفع اليدين في الصلاة؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري -
تحقيق: بديع الدين الراشدي - دار ابن حزم بلبنان - الطبعة الأولى 1416 هـ.
- زكاة النقود الورقية المعاصرة؛ لمحمود الخالدي - مكتبة
الرسالة الحديثة بالأردن - الطبعة الأولى 1405 هـ.
- سؤالات البرقاني للدارقطني؛ رواية الكرجي عنه - تحقيق:
عبد الرحيم القشقري - كتب خانه جميلي بباكستان - الطبعة الأولى 1404 هـ.
- السنة؛ لأحمد بن عمرو بن أبي عاصم - تحقيق: محمد ناصر
الدين الألباني - المكتب الإسلامي بلبنان - الطبعة الأولى 1400 هـ.
- سنن الترمذي؛ لمحمد بن عيسي الترمذي - ضمن الكتب الستة
طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- سنن أبي داود؛ أبي داود سليمان بن أشعث السجستاني -
ضمن الكتب الستة طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- سنن الدارقطني؛ لعلي بن عمر الدارقطني - تحقيق: شعيب
الأرنؤوط وآخرين - مؤسسة الرسالة بلبنان - الطبعة الأولى 1424 هـ.
- سنن سعيد بن منصور؛ تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي - دار
الكتب العلمية بلبنان - الطبعة الأولى 1405 هـ.
- السنن الكبرى؛ لأحمد بن الحسين البيهقي - دار المعرفة
بلبنان.
- سنن ابن ماجه؛ لابن ماجه محمد بن يزيد القزويني - ضمن
الكتب الستة طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- سنن النسائي؛ لأحمد بن شعيب النسائي - ضمن الكتب الستة
طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- سير أعلام النبلاء؛ لمحمد بن أحمد الذهبي - تحقيق: مجموعة
من العلماء - مؤسسة الرسالة بلبنان - الطبعة الثامنة 1412 هـ.
- شرح صحيح البخاري؛ لابن بطال علي بن خلف - تحقيق: ياسر
إبرهيم - مكتبة الرشد بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- شرح صحيح مسلم؛ ليحيى بن شرف النووي - دار إحياء
التراث بلبنان - الطبعة الثانية 1392 هـ.
- شرح علل الترمذي؛ لعبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي
- تحقيق: نور الدين عتر - دار العطاء بالرياض - الطبعة الرابعة 1421 هـ.
- شرح معاني الآثار؛ لأحمد بن محمد الطحاوي - تحقيق:
محمد النجار - دار الكتب العلمية بلبنان - الطبعة الثانية 1407 هـ.
- شروح البخاري؛ للنووي والقسطلاني والقنوجي - دار الكتب
العلمية.
- الشفاعة؛ لمقبل بن هادي الوادعي - دار الأرقم بالكويت
- الطبعة الثانية 1403 هـ.
- صحيح البخاري؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري - ضمن الكتب
الستة طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- صحيح مسلم؛ لمسلم بن الحجاج القشيري - ضمن الكتب الستة
طبعة دار السلام بالرياض - الطبعة الأولى 1420 هـ.
- الصيام؛ لجعفر بن محمد الفريابي - تحقيق: عبد الوكيل
الندوي - الدار السلفية بالهند - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- الضعفاء الصغير؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري - تحقيق:
بوران الضناوي - عالم الكتب بلبنان - الطبعة الأولى 1404 هـ.
- الضعفاء الكبير؛ لمحمد بن عمرو العقيلي - تحقيق: عبد
المعطي قلعجي - دار الكتب العلمية بلبنان - الطبعة الأولى 1404 هـ.
- الطبقات؛ لخليفة بن خياط - تحقيق: أكرم العمري - دار
طيبة بالرياض - الطبعة الثانية 1402 هـ.
- الطبقات الكبري؛ لمحمد بن سعد - دار بيروت بلبنان -
طبعة 1405 هـ.
- العلل؛ لعلي بن عبد الله المديني - تحقيق: حسام بوقريص
- دار غراس بالكويت - الطبعة الأولى 1423 هـ.
- علل الترمذي الكبير؛ لمحمد بن عيسي الترمذي - تحقيق:
صبحي السامرائي وآخرين - عالم الكتب بلبنان - الطبعة الأولى 1409 هـ.
- علل الحديث؛ لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي - دار
المعرفة بلبنان - طبعة 1405 هـ.
- غريب الحديث؛ لأحمد بن محمد الخطابي - تحقيق: عبد
الكريم العزباوي - جامعة أم القرى بمكة - 1402 هـ.
- العلل المتناهية في الأحاديث الواهية؛ لابن الجوزي عبد
الرحمن بن علي - تحقيق: إرشاد الحق الأثري - إدارة ترجمان السنة بلاهور.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية؛ لعلي بن عمر
الدارقطني - تحقيق: محفوظ الرحمن السلفي - دار طيبة بالرياض، الطبعة الأولى 1405
هـ.
- العلل الواردة في الأحاديث النبوية؛ لعلي بن عمر
الدارقطني - المجلد الرابع مصور عن مخطوطة دار الكتب المصرية.
- العلل ومعرفة الرجال؛ لأحمد بن حنبل - تحقيق: وصي الله
عباس - المكتب الإسلامي بلبنان - الطبعة الأولى 1408 هـ.
- فتح الباري بشرح البخاري؛ لأحمد بن علي بن حجر
العسقلاني - المكتبة السلفية.
- فضائل الصحابة؛ لأحمد بن حنبل - تحقيق: وصي الله عباس
- دار ابن الجوزي بالدمام - الطبعة الثانية 1420 هـ.
- فوائد الحنائي؛ للحسين بن محمد الحنائي - إعداد: محمود
الحداد - دار تيسير السنة بمصر - الطبعة الأولى 1411 هـ.
- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة؛ لمحمد بن علي
الشوكاني - تحقيق: عبد الرحمن المعلمي - المكتب الإسلامي بلبنان - الطبعة الثالثة
1402 هـ.
- القراءة خلف الإمام؛ لمحمد بن إسماعيل البخاري - دار
الكتب العلمية.
- القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد؛ لأحمد بن
علي بن حجر العسقلاني - مكتبة المعارف بالرياض - الطبعة الرابعة 1402 هـ.
- الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة؛ لمحمد بن
أحمد الذهبي - تحقيق: محمد عوامة وأحمد الخطيب - دار القبلة بجدة - الطبعة
الأولى 1413 هـ.
- الكامل في ضعفاء الرجال؛ لعبد الله بن عدي الجرجاني -
دار الفكر بلبنان - الطبعة الثالثة 1409 هـ.
- الكفاية في علم الرواية؛ لأحمد بن علي الخطيب البغدادي
- المكتبة العلمية بالمدينة.
- الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات؛
لمحمد بن أحمد المعروف بابن الكيال - تحقيق: عبد القيوم عبد رب النبي - المكتبة
الإمدادية بمكة - الطبعة الثانية 1420 هـ.
- اللآليء المصنوعة في الأحاديث الموضوعة؛ لعبد الرحمن
بن أبي بكر السيوطي - دار المعرفة بلبنان.
- لسان الميزان؛ لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق:
عبد الفتاح أبو غدة - دار البشائر الإسلامية بلبنان - الطبعة الأولى 1423 هـ.
- كتاب المجروحين من المحديثن والضعفاء والمتروكين؛
لمحمد بن حبان البستي - تحقيق: محمود زايد - دار الوعي بحلب الطبعة الثانية 1402 هـ.
- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد؛ لعلي بن أبي بكر الهيثمي
- دار الريان للتراث بمصر - 1407 هـ.
- المجموع شرح المهذب؛ ليحيى بن شرف النووي - دار الفكر
بلبنان.
- المحلى؛ لعلي بن حزم - تحقيق: أحمد شاكر - مكتبة دار
التراث بمصر.
- مختصر زوائد مسند البزار علي الكتب الستة ومسند أحمد؛
لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني - تحقيق: صبري عبد الخالق - مؤسسة الكتب الثقافية
بلبنان - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- مختصر سنن أبي داود؛ لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري
- تحقيق: محمد حامد الفقي - مكتبة السنة المحمدية ومكتبة ابن تيمية بمصر.
- المراسيل؛ لعبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي - تحقيق:
عناية قوجاني - مؤسسة الرسالة بلبنان - الطبعة الأولى 1397 هـ.
- المستدرك علي الصحيحين؛ لمحمد بن عبد الله الحاكم -
دار المعرفة بلبنان.
- السمند؛ لأحمد بن حنبل - تحقيق: شعيب الأرنؤوط وجماعة
- مؤسسة الرسالة بلبنان - الطبعة الأولى 1413 هـ.
- المسند؛ لأحمد بن حنبل - تحقيق: أحمد شاكر - دار
المعارف بمصر - 1377 هـ.
- مسند إسحاق بن راهويه؛ تحقيق: عبد الغفور البلوشي -
مكتبة الإيمان بالمدينة - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- المسند الجامع لأحاديث الكتب الستة ومؤلفات أصحابها
الأخرى والموطأ والمسانيد الثلاثة؛ لبشار عواد وآخرين - دار الجيل بلبنان - الطبعة
الأولى 1413 هـ.
- مسند الدارمي المعروف بسنن الدارمي؛ لعبد الله بن عبد الرحمن
الدارمي - تحقيق: حسين سليم أسد - دار المغني بلبنان - الطبعة الأولى 1421 هـ.
- مسند أبي يعلى الموصلي؛ لأحمد بن علي الموصلي - تحقيق:
حسين أسد - دار الثقافة العربية بدمشق - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- المصنف؛ لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة -
تحقيق: حمد الجمعة ومحمد اللحيدان - مكتبة الرشد بالرياض - الطبعة الأولى 1425 هـ.
- المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية؛ لأحمد بن
علي بن حجر العسقلاني - تحقيق: جماعة من الباحثين بتنسيق سعد الشثري - دار العاصمة بالرياض -
الطبعة الأولى 1419 هـ.
- معالم السنن؛ شرح لسنن أبي داود؛ لحمد بن محمد الخطابي
- المكتبة العلمية بلبنان - الطبعة الثانية 1401 هـ.
- المعجم الكبير؛ لسليمان بن أحمد الطبراني - تحقيق:
حمدي السلفي - مكتبة ابن تيمية بمصر.
- معرفة أنواع علم الحديث؛ لابن الصلاح عثمان بن عبد
الرحمن الشهرزوري - تحقيق: عبد اللطيف الهميم وماهر الفحل - دار الكتب العلمية
بلبنان - الطبعة الأولى 1423 هـ.
- معرفة السنن والآثار؛ لأحمد بن الحسين البيهقي -
تحقيق: سيد كسروي حسن - دار الكتب العلمية بلبنان - الطبعة الأولى 1412 هـ.
- المعرفة والتاريخ؛ ليعقوب بن سفيان الفسوي - تحقيق:
أكرم العمري، مكتبة الدار بالمدينة - الطبعة الأولي 1410 هـ.
- مقدمة ابن خلدون؛ لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون - دار
القلم بلبنان - الطبعة الحادية عشرة 1413 هـ.
- مقاييس نقد متون السنة؛ لمسفر الدميني - مكتبة العلوم
والحكم بالمدينة - 1413 هـ.
- المنار المنيف في الصحيح والضعيف؛ لمحمد بن أبي بكر
ابن قيم الجوزية - تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة - مكتب المطبوعات الإسلامية بحلب -
الطبعة الثانية 1403 هـ.
- منهاج السنة النبوية؛ لأحمد ابن تيمية - تحقيق: محمد رشاد سالم -
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - الطبعة الأولى 1406 هـ.
- ميزان الاعتدال في نقد الرجال؛ لمحمد بن أحمد الذهبي -
تحقيق: علي البجاوي - دار المعرفة بلبنان.
- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر؛ لأحمد بن علي بن حجر
العسقلاني - تحقيق: عبد الله الرحيلي - الطبعة الأولى 1422 هـ.
- النهاية في غريب الحديث والأثر؛ للمبارك بن محمد بن
الأثير الجزري - دار ابن الجوزي - الطبعة الأولى 1421 هـ.
- هدي الساري مقدمة فتح الباري؛ لأحمد بن علي بن حجر
العسقلاني - المكتبة السلفية.
..................................
الثلاثاء، 16 فبراير 2021
الاحاديث التي اعل الامام البخاري متونها بالتناقض (صفحة 28)
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق