من حديث: (إنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض..)
17/219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
18/220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ
اللَّه ﷺ: لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا
حَرامًا رواه البخاري.
19/221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وَهِيَ
امْرَأَةُ حمْزَةَ t وعنها، قَالَتْ: سمِعْتُ
رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ
حَقٍّ؛ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ رواه البخاري.
من حديث: (إنّما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض..)
17/219- وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها: أَنَّ رَسُول اللَّه ﷺ قَالَ: إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ؛ فأَقْضِي لَهُ بِنحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
18/220- وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال: قال رسولُ
اللَّه ﷺ: لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا
حَرامًا رواه البخاري.
19/221- وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ،
وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ t وعنها، قَالَتْ: سمِعْتُ
رسولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛
فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ رواه البخاري.
ما لا يحله قضاء
القاضي
.
( 1 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا هشام بن
عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض
، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا
يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها يوم القيامة .
( 2 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا أسامة بن
زيد الليثي عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن أم سلمة قالت : جاء رجلان من
الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم يختصمان في مواريث بينهما قد درست ليس لهما
بينة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم تختصمون إلي ، وإنما أنا بشر ، ولعل
بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع منكم ، فمن
قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه ، فإنما أقطع له به قطعة من النار ، يأتي بها
إسطاما في عنقه يوم القيامة ، قالت : فبكى الرجلان وقال كل منهما : حقي لأخي ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما إذ فعلتما فاذهبا واقتسما وتوخيا الحق ثم
ليحلل كل واحد منكما صاحبه .
( 3 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا محمد بن بشر الغنوي قال
حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : إنما أنا بشر ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، فمن قطعت له من حق
أخيه قطعة فإنما أقطع له قطعة من النار [ ص: 357 ]
( 4 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا وكيع قال حدثنا ابن عون
عن إبراهيم عن شريح أنه كان يقول للخصوم : سيعلم الظالمون حق من نقصوا ، إن الظالم
ينتظر العقاب ، وإن المظلوم ينتظر النصر .
( 5 ) حدثنا أبو بكر قال حدثنا ابن أبي زائدة عن عوف عن
محمد قال : كان شريح مما يقول للخصيم : يا عبد الله ، والله إني لأقضي لك وإني
لأظنك ظالما ، ولكني لست أقضي بالظن ، ولكن أقضي بما أحضرني ، وإن قضائي لا يحل لك
ما حرم عليك .
--------------------
شرح حديث ( أنما أنا بشر ٌ، وإنكم تختصمون إليّ...) من رياض الصالحين للعثيمين رحمه الله
عن أم سلمة- رضي الله عنها- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما
أنا بشرٌ ، وإنكم تختصمون إلىّ ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض،
فأقضي له بنحو ما أسمعُ، فمن قضيت له بحقِّ أخيه فإنما أقطعُ لهُ قطعة من
النارِ" متفق عليه [349].
" ألحن" أي : أعلم .
الشرح
ذكر
المؤلف - رحمه الله - باب تحريم الظلم ووجوب رد المظالم إلى أهلها عن أم
سلمة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" إنما أنا بشرٌ
مثلكم ، وإنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم أو يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي
له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار".
ففي هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، ليس
ملاكاً من الملائكة ، بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشر بمقتضى الطبيعة
البشرية ، فهو صلى الله عليه وسلم يجوع ويعطش، ويبرد ويحتر، وينام ويستيقظ،
ويأكل ويشرب، ويذكر وينسى، ويعلم ويجهل بعض الشي كالبشر تماماً ، يقول صلى
الله عليه وسلم " إنما أنا بشرٌ مثلكم".
وهكذا أمره الله عزّ وجلّ أن
يعلن للملأ فيقول: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ
أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ)(الكهف:110) ، فلست إلها يُعبد ، ولا
رباً ينفع ويضر، بل عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.
وبهذا تنقطع جميع شيه الذين يتعلقون بالرسول صلى الله عليه وسلم ممن
يدعونهُ، أو يعبدونه، أو يؤملونه لكشف الضر، أو يؤملونه لجلب الخير، فإنه
عليه الصلاة والسلام لا يملك ذلك (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً
وَلا رَشَداً) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ
أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ
وَرِسَالاتِهِ)(الجـن:21-23)لو أراد الله أن يصيبني بسوء ما أجارني منه
أحد؛ إلا بلاغاً من الله ورسالاته.
وفي قوله: " إنما أنا بشر مثلكم"
تمهيد لقوله " وإنكم تختصمون إلي" يعني فإذا كنت بشراً مثلكم فإني لا أعلم
من المحق منكم ومن المبطل " تختصمون إلي": يعني تتحاكمون إلى في الحصومة،
فيكون بعضكم ألحن من البعض الآخر في الحجة، أي أفصح وأقوى كلاماً، يقال:
فلان حجيج وفلان ذو جدل، يقوى على غيره في الحجة، كما قال الله تعالى: (
فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)(صّ: 23) أي غلبني في
الخطاب والمخاصمة، فهكذا هنا ألحن يعني أبين وأفصح وأظهر.
وهذا مشاهد،
فقد تجد اثنين يتحاكمان إلي القاضي؛ أحدهما يكون عنده لسان وعنده بيان وحجة
وقوة جدل، والثاني دون ذلك وإن كان الحق معه، فيحكم القاضي للأول ، ولهذا
قال :" وإنما أٌقضي بنحو ما أسمع" وفي قوله :" أقضي بنحو ما أسمع" فسحة
كبيرة للقضاة ، وأنهم لا يكلفون بشيء غاب عنهم ، بل يقضون حسب البيانات
التي بين أيديهم ، فإن أخطئوا فلهم أجر، وأن أصابوا فلهم أجران، ولا يكلفون
ما وراء ذلك ، بل ولا يحل لهم أن يحكموا بخلاف الظاهر ؛ لأنهم لو حكموا
بخلاف الظاهر لأدى ذلك إلى الفوضى، وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة،
ولقيل القاضي يحكم بخلاف الظاهر لسبب من الأسباب.
لهذا كان الواجب على
القاضي أن يحكم بالظاهر، والباطن يتولاه الله عزّ وجلّ، فلو ادّعى شخص على
آخر بمائة ريال وأتى المدعي بشهود اثنين، فعلى القاضي أن يحكم بثبوت المائة
في ذمة المدعى عليه، وإن كان يشتبه في الشهود، إلا أنه في حال الاشتباه
يجب أن يتحرى ، لكن إذا لم يوجد قدح ظاهر فإنه يجب عليه أن يحكم ، وإن غلب
على ظنه أن الأمر بخلاف ذلك، لقوله :" إنما أقضي بنحو ما أسمع".
ولكن
النبي صلى الله عليه وسلم توعد من قُضي له بغير حق فقال:" فمن قضيت له بحق
اخيه فإنما أقطع له قطعة من النار" يعني أن حُكم الحاكم لا يبيح الحرام،
فلو أن الحاكم حكم للمبطل بمقتضى ظاهر الدعوى ، فإن ذلك لا يحل له ما حكم
له به، بل إنه يزداد إثماً، لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم
ممن أخذه بغير هذه الطريق.
وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حكم
الحاكم بغير ما بين يديه من الوثائق، مهما كان الأمر ، ولو كان أقرب قريب
لك، وأختلق العلماء رحمهم الله : هل يجوز للحاكم أن يحكم بعمله أم لا؟
فقيل: لا يجوز؛ لأنه قال :" فأقضي له بنحو ما أسمع" و لأنه لو قضى بعلمه
لأدى ذلك إلى التهمة؛ لأن العلم ليس شيئاً ظاهراً يعرفه الناس حتى يحكم له
به، وقال بعض العلماء : بل يحكم بعلمه ، وقال آخرون: بل يتوقف إذا وصلت
البينة إلى ما يخالف علمه.
والأصح أنه لا يحكم بعلمه إلا في مسائل
خاصة، ومثال ذلك إذا حكم بعلمه بمقتضى حجة المتخاصمين في مجلس الحكم،
فمثلاً إذا تحاكم شخصان فأقر أحدهما بالحق، ثم مع المداولة والأخذ والرد
أنكر ما أقرّ به أولاً، فهنا للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأنه علمه في مجلس
الحكم.
ومثال آخر: إذا كان مشتهراً ، مثل أن يشتهر أن هذا المُلك وقف
عام للمسلمين، أو يشتهر أنه ملك فلان، ويشتهر ذلك بين الناس، فهنا له أن
يحكم بعلمه؛ لأن التهمة في هذه الحال منتفية، ولا يتهم القاضي بشيء، ولا
يمكن أن يتجرأ أحد للحكم بعلمه وهو خاطئ بناء على أنه أمر مشهور.
والقول الصحيح في هذا هو التفصيل ، وإلا فإن الواجب أن يكون القضاء على حسب الظاهر لا على حسب علم القاضي.
ولكن إذا جاء الشيء على خلاف علمه تحول المسألة إلى قاضٍ آخر، ويكون هو
شاهداً من الشهود، مثل أن يدعي شخص على آخر بمائة ريال فينكر المدعى عليه
والقاضي عنده علم بثبوت المائة على المدعى عليه ، فلا يحكم هنا بعلمه ولا
يحكم بخلاف علمه، بل يقول : أحولها على قاضٍ آخر وأنا لك أيها المدعي شاهد،
فتحول القضية على قاضٍ آخر، ثم يكون القاضي هذا شهاداً ، فيحكم بيمين
المدعى وشهادة القاضي.
ومن موقع الالوكة
عن أم سلمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشرٌ، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِه من بعضٍ، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه فإنما أَقطَعُ له قطعةً من النارِ))؛ متفق عليه.
"ألحن" أي: أعلم.
قال سَماحة العلَّامةِ الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -:
ذكر المؤلِّف رحمه الله باب تحريم الظلم ووجوب ردِّ المظالم إلى أهلها، عن أم سلمة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم أن يكون أَلْحَنَ بحُجَّتِه من بعض، فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيت له بحقِّ أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار)).
ففي هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بَشَرٌ مثلنا، ليس ملاكًا من الملائكة، بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشرَ بمقتضى الطبيعة البشرية، فهو صلى الله عليه وسلم يجوع ويعطش، ويبرد ويحترُّ، وينام ويستيقظ، ويأكل ويشرب، ويذكُر وينسى، ويعلم ويجهل بعض الشيء كالبشر تمامًا، يقول صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم))
.
وهكذا أمره الله عزَّ وجلَّ أن يعلن للملأ فيقول: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ﴾ [الكهف: 110]، فلستُ إلهًا يُعبَد، ولا ربًّا ينفع ويضُرُّ، بل عليه الصلاة والسلام لا يملِك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا.
وبهذا تنقطع جميعُ شُبَهِ الذين يتعلَّقون بالرسول صلى الله عليه وسلم ممن يدْعونه، أو يعبدونه، أو يؤمِّلونه لكشف الضر، أو يؤمِّلونه لجلب الخير، فإنه عليه الصلاة والسلام لا يملِك ذلك ﴿ قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ﴾ [الجن: 21 - 23]، لو أراد الله أن يُصيبني بسوء ما أجارني منه أحدٌ؛ إلا بلاغًا من الله ورسالاته.
وفي قوله: ((إنما أنا بشرٌ مثلكم)) تمهيدٌ لقوله: ((وإنكم تختصمون إليَّ))؛ يعني فإذا كنتُ بشرًا مثلكم فإني لا أعلم مَن المُحِقُّ منكم ومن المبطِل ((تختصمون إليَّ)): يعني تتحاكمون إليَّ في الخصومة، فيكون بعضكم ألحَنَ من البعض الآخر في الحجة؛ أي: أفصح وأقوى كلامًا، يقال: فلان حجيج وفلان ذو جدل؛ يقْوى على غيره في الحجة، كما قال الله تعالى: ﴿ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ﴾ [ص: 23]؛ أي غلَبَني في الخطاب والمخاصمة، فهكذا هنا "ألحَن" يعني أبْيَنَ وأفصح وأظهَر.
وهذا مشاهَد، فقد تجد اثنين يتحاكمان إلى القاضي؛ أحدهما يكون عنده لسان وعنده بيان وحجة وقوة جدل، والثاني دون ذلك وإن كان الحقُّ معه، فيحكم القاضي للأول؛ ولهذا قال: ((وإنما أَقضي بنحو ما أسمع))، وفي قوله: ((أقضي بنحو ما أسمع)) فسحةٌ كبيرة للقضاة، وأنهم لا يكلَّفون بشيء غاب عنهم، بل يقضون حسب البيانات التي بين أيديهم، فإنْ أخطؤوا فلهم أجرٌ، وأن أصابوا فلهم أجرانِ، ولا يكلَّفون ما وراء ذلك، بل ولا يحلُّ لهم أن يحكُموا بخلاف الظاهر؛ لأنهم لو حكموا بخلاف الظاهر لأدَّى ذلك إلى الفوضى، وأدى ذلك إلى الاشتباه وإلى التهمة، ولقيل: القاضي يحكم بخلاف الظاهر لسبب من الأسباب.
لهذا كان الواجب على القاضي أن يحكم بالظاهر، والباطن يتولاه الله عزَّ وجلَّ، فلو ادَّعى شخص على آخرَ بمائة ريال، وأتى المدعي بشهود اثنين، فعلى القاضي أن يحكم بثبوت المائة في ذمَّة المدعى عليه، وإن كان يشتبه في الشهود، إلا أنه في حال الاشتباه يجب أن يتحرَّى، لكن إذا لم يوجد قدحٌ ظاهر فإنه يجب عليه أن يحكم، وإن غلب على ظنه أن الأمر بخلاف ذلك؛ لقوله: ((إنما أقضي بنحو ما أسمع)).
ولكن النبي صلى الله عليه وسلم توعَّدَ من قُضِيَ له بغير حق، فقال: ((فمن قضيتُ له بحقِّ أخيه، فإنما أقطع له قطعة من النار)) يعني أن حُكم الحاكم لا يُبيح الحرام، فلو أن الحاكم حكَمَ للمبطِلِ بمقتضى ظاهر الدعوى، فإن ذلك لا يحلُّ له ما حكم له به، بل إنه يزداد إثمًا؛ لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق.
وفي هذا الحديث التحذير الشديد من حكم الحاكم بغير ما بين يديه من الوثائق، مهما كان الأمر، ولو كان أقرَبَ قريب لك، واختلف العلماء رحمهم الله: هل يجوز للحاكم أن يحكم بعِلْمِه أم لا؟ فقيل: لا يجوز؛ لأنه قال: ((فأقضي له بنحو ما أسمع))، ولأنه لو قضى بعلمه لأدَّى ذلك إلى التهمة؛ لأن العلم ليس شيئًا ظاهرًا يعرفه الناس حتى يحكم له به، وقال بعض العلماء: بل يحكم بعلمه، وقال آخرون: بل يتوقَّف إذا وصلت البيِّنة إلى ما يخالف عِلمَه.
والأصح أنه لا يحكم بعلمه إلا في مسائلَ خاصة، ومثال ذلك إذا حكم بعلمه بمقتضى حُجة المتخاصمين في مجلس الحكم، فمثلًا إذا تحاكَمَ شخصان فأقرَّ أحدهما بالحق، ثم مع المداولة والأخذ والرد أنكَرَ ما أقرَّ به أولًا، فهنا للقاضي أن يحكم بعلمه؛ لأنه علمه في مجلس الحكم.
ومثال آخر: إذا كان مشتهرًا، مثل أن يشتهر أن هذا الملك وقفٌ عام للمسلمين، أو يشتهر أنه ملكُ فلان، ويشتهر ذلك بين الناس، فهنا له أن يحكم بعلمه؛ لأن التهمة في هذه الحال منتفية، ولا يُتهَم القاضي بشيء، ولا يمكن أن يتجرَّأ أحد للحكم بعلمه وهو خاطئ بناء على أنه أمر مشهور.
والقول الصحيح في هذا هو التفصيل، وإلا فإن الواجب أن يكون القضاء على حسب الظاهر، لا على حسب علم القاضي.
ولكن إذا جاء الشيء على خلاف علمه، تُحوَّل المسألة إلى قاضٍ آخر، ويكون هو شاهدًا من الشهود، مثل أن يدعي شخص على آخر بمائة ريال، فينكر المدعى عليه، والقاضي عنده علمٌ بثبوت المائة على المدعى عليه، فلا يحكم هنا بعلمه ولا يحكم بخلاف علمه، بل يقول: أُحوِّلها على قاضٍ آخر، وأنا لك أيها المدعي شاهد، فتُحوَّل القضية على قاضٍ آخر، ثم يكون القاضي هذا شاهدًا، فيحكم بيمين المدعي وشهادة القاضي.
المصدر: «شرح رياض الصالحين» (2/ 530 - 534)
شرح حديث: إن الماء لا ينجسه شيء إلا ما غلب على ريحه وطعمه ولونه
شرح حديث: أحلت لنا ميتتان ودمان
شرح حديث: بادروا بالأعمال سبعا
شرح حديث: وصلوا كما رأيتموني أصلي
شرح حديث الثلاث وسبعين فرقة
شرح حديث عمر: من نام عن حزبه من الليل
شرح حديث أبي بكرة: "إن الزمان قد استدار"
////
شرح حديث: اللهم أنت السلام ومنك السلام(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
أيها الأنام أفشوا السلام تدخلوا دار السلام بسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
سلام محمد وسلام المسيح عليهما السلام(مقالة - ملفات خاصة)
شرح حديث أبي هريرة: "حق المسلم: رد السلام"(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث أم سلمة: يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث جابر: يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم(مقالة - آفاق الشريعة)
شرح حديث أم سلمة: كان إذا خرج من بيته قال: بسم الله توكلت على الله(مقالة - آفاق الشريعة)
حديث: اللهم أنت السلام ومنك السلام(مقالة - آفاق الشريعة)
الفوائد البيداغوجية في الأحاديث النبوية: حديث جبريل عليه السلام(مقالة - مجتمع وإصلاح)
----------------------
قضاء الحاكم لا يحل حراماً ولا يحرّم حلالاً
من موقع رابطة العلماء السوريون
الشيخ عبد الوهاب حمودة روى البخاري ومسلم، عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع جَلبة خصم بباب حجرته فخرج، فقال: (إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم فلعلَّ بعضَكم أن يكون أبلغَ بحجته من بعض، فأحسب أنَّه صادق، فأقضي له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها).
المعنى:
هذه قصة الضمير الإنساني أراد رسول الله صلوات الله عليه أن ينبِّه أمته إلى حكمه وهدايته، وأنَّه المرجع في الهداية والضلال، وأنه المسؤول عن الأعمال، وهو السراج الذي أقامه الله في صدر كل إنسان: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] {البلد:10}، [وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا(10) ]. {الشمس}..
فالضمير هو القاضي الذي يقاضي المرء على عمله، كما أنَّه مصدر المكافآت والعقوبات ومنظِّم السلوك، ومقوِّم الاعوجاج، وأنه لا يمكن مخالفة ما يمليه على صاحبه إلا بثمن أقله موت الروح الأدبي، والقضاء على الحياة بالإهانة والتحقير.
فالمؤمن الحق هو الذي يُصغي إلى ضميره إذا ناداه، ويجيب داعي وجدان الحق إذا هتف به، فلا يغترَّ بحكم قاضٍ إذا كان هو يعلم أنَّ الحق غيره، ولا يأخذ بفتوى مُفْتٍ ما دام هو واثقاً من أنها لم تصادف الصواب، فإنَّ القاضي إنما يحكم بما له من أدلة ظاهرة، والمفتي إنما يفتي بما قُدِّم له من وقائع مصورة.
أما حقيقة الواقع فلا يعلمها إلا صاحبها، فإذا ما نال حقاً ليس له أو اغتصب أمراً لا يملكه فلن ينفعَه من عذاب الله تعالى قضاءُ قاضٍ ولا فتوى مفتٍ.
أرأيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يُشير في الحديث إلى أسلوب سامٍ في التربية، ومبدأ سليم في الإرشاد، وهو الرجوع إلى سلطان الضمير وحدَه، والاحتكام إلى نور الوجدان الباطني والإلهام الصادق القلبي.
روى الإمام أحمد عن وابصة بن معبد قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر، قلت: نعم، قال: استفتِ قلبَك، البرُّ ما اطمأنَّت إليه النفس واطمأنَّ إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردَّد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك.
أما الذين لا ضمائر لهم بأن أطفأوا نور الله تعالى في باطنهم فأظلمت وجداناتهم، وأعتمت سرائرهم فأولئك يجرون في عنان الشهوة، ويركبون مطية الهوى ولا يصدرون في أعمالهم إلا عن باعث من الأَثَرة وحب النفس، ثم هم يعلمون أنهم على خطأ ولا يبرحون من لذع ضمائرهم في نَصَب، وقانون العدالة يصرخ في باطنهم، فيؤمنون بأنهم مخطئون وفي حق أنفسهم ظالمون، ولكن سلطان الهوى وقلة الرادع الديني وما نجم بين هذا أو ذاك من طول معاودة المنكر قد فلَّ من شبا عزيمتهم وحطَّم من قوى مقاومتهم، حتى أصبح الإثم لهم عادة وارتكاب الجرائم لهم طبعاً، فهؤلاء قد ختم الله على قلوبهم بأفعالهم وعلى أبصارهم غشاوة لتماديهم في الباطل فهم يَعْمهون.
لذلك أوجب الإسلام محاسبة النفس وتمرينها على التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وتعويدها البعد عن مواطن الشبهة ومواقف التهم: قال صلى الله عليه وسلم: (الحلال بيِّن والحرام بيِّن، وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما شُبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه من الإثم أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله (الحمى هو الشيء المحمي المحظور( من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه).
وقصة هذا الحديث: أنَّ جماعة من الصحابة رضوان الله عليهم أخذوا يختصمون عند باب حجرة النبي صلى الله عليه وسلم في مواريث وأشياء قد درست وليست لهم بنية، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) أي: مشارك للبشر في أصل الخلقة، ولو أنه يزيد عليهم بالمزايا التي اختصَّه الله بها في ذاته و صفاته، ولكني لا أدري باطن ما تتحاكمون فيه عندي وتختصمون فيه لدي، وإنما أقضي بينكم على ظاهر ما تقولون؛ فإنَّ الأنبياء لا يعلمون من الغيب إلا ما أعلمهم به الوحي، وإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما يقضي برأيه فيما لم يتنزل عليه فيه وحي، ولو شاء الله لأطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على باطن الأمر.
فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما هو قطعة من النار، وهذا تمثيل يفهم شدَّة التعذيب، وهو كقوله تعالى: [إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا] {النساء:10}.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: (فليأخذها أو ليتركها) ليس معناه التخيير؛ بل هو التهديد والوعيد، كقوله تعالى: [ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ] {الكهف:29}.
يفهم من هذا الحديث أمور:
منها: أن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئاً إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك.
وأنه يجوز على الرسول صلى الله عليه وسلم في أمور الأحكام ما يجوز على بقية البشر، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة واليمين، ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك.
ومنها أنَّ بعض الناس أدرى بمواضع الحجَّة وتصرف القول من بعض، وأن القاضي إنما يقضي على الخصم بما يسمع منه من إقرار وإنكار أو بينات على حسب ما أحكمته السنة في ذلك.
قال العِيني في شرحه للبخاري: وزاد عبد الله بن رافع في آخر الحديث في رواية الطحاوي بعد أن قال: (فليأخذها أو ليتركها) فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حق لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إذ فعلتما هذا فاذهبا فاقتسما وتوخيا الحق ثم استهما (أي اقترعا) ثم ليحلِّل كلُّ واحد منكما صاحبه.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
---------------------------------
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق